والحاصل : أنّه في هذه الصور الأربعة أمكننا تفادي الإشكال المتقدّم من عدم جريان الاستصحاب عند قيام الأمارة على الحدوث ما دام الركن هو اليقين بالحدوث ؛ وذلك لأنّنا لم نستصحب الحكم الحادث بالأمارة مباشرة ، وإنّما أجرينا استصحابا آخر ، وهو إمّا الاستصحاب الموضوعي في بعض الصور ، وإمّا الاستصحاب الحكمي في بعضها الآخر ، وإمّا كلا الاستصحابين معا.
والوجه في ذلك : أنّ الحكم المدلول عليه بالأمارة إن كان له مدلول التزامي يمكن التعبّد به كالمدلول المطابقي ، وكان هذا المدلول الالتزامي عبارة عن قضيّة كلّيّة أو يعالج شبهة حكميّة جرى استصحاب هذه الملازمة وهذا هو الاستصحاب الحكمي ، وإن كان المدلول عليه بالأمارة موضوعا له أمد وغاية ورافع ثمّ شكّ في تحقّق هذا الرافع والغاية ، جرى استصحاب عدم تحقّقه ، وهذا هو الاستصحاب الموضوعي.
ويجمعهما أن يكون لمدلول الأمارة غاية ورافع وأمد ثمّ يشكّ في تحقّقه ، إمّا بنحو الشبهة الموضوعيّة وإمّا بنحو الشبهة الحكميّة ، فإنّه يجري الاستصحاب الموضوعي أو الحكمي أو كلاهما ، كما تقدّم آنفا.
نعم ، قد لا يكون الشكّ على هذا الوجه ، بل يكون الشكّ في قابليّة المستصحب للبقاء ، كما إذا دلّت الأمارة على وجوب الجلوس في المسجد إلى الزوال وشكّ في بقاء هذا الوجوب بعد الزوال ، فإنّ الأمارة هنا لا يحتمل أنّها تدلّ مطابقة أو التزاما على أكثر من الوجوب إلى الزوال ، وهذا يعني أنّ التعبّد على وفقها المستفاد من دليل الحجّيّة لا يحتمل فيه الاستمرار أكثر من ذلك.
وفي مثل هذا يتركّز الإشكال ، لأنّ الحكم الواقعي بالوجوب غير متيقّن الحدوث ، والحكم الظاهري المستفاد من دليل الحجّيّة غير محتمل البقاء ، ويتوقّف دفع الإشكال حينئذ على إنكار ركنيّة اليقين بلحاظ مثل رواية عبد الله بن سنان المتقدّمة.
استدراك : هناك صور أخرى لا يجري فيها ما ذكرناه من الاستصحاب الموضوعي أو الحكمي ، والجامع لهذه الصور أن يقال : أن تقوم الأمارة على الحدوث ثمّ يشكّ في البقاء من جهة الشكّ في أنّ ما قامت عليه الأمارة هل له القابليّة للاستمرار والبقاء أو لا؟