وثانيا : أنّنا لو سلّمنا المبنى القائل بأنّ العلم الإجمالي يتعلّق بالواقع كما هي مقالة المحقّق العراقي ، إلا أنّه مع ذلك يجري الاستصحاب لتماميّة أركانه في المقام ؛ وذلك لأنّ العلم بالفرد ليس علما وجدانيّا ، وإنّما هو علم إجمالي.
وهذا العلم الإجمالي على ما فسّره المحقّق العراقي يتلاءم مع الشكّ ، أي أنّه يجتمع مع الشكّ أيضا ، فكلّ واحد من الإناءات يحتمل فيه أن يكون هو المعلوم بالإجمال ، لكن رفع اليد عن الحالة السابقة فيه يعتبر نقضا لليقين بالشكّ لا باليقين ، فيجري الاستصحاب فيه مع ملاحظة الشكّ المصاحب لليقين.
وحيث إنّ دليل الاستصحاب مفاده عدم جواز رفع اليد عن الحالة السابقة التي يصدق عليها أنّها من باب رفع اليقين بالشكّ ، فالمهمّ حينئذ كون البقاء مشكوكا أو كون رفع اليد مشكوكا سواء كان إلى جانب هذا الشكّ يقين أم لا ، إذ لا يضرّ وجوده ما دام عنوان النقض بالشكّ متحقّق وما دام النقض لم يستند إلى اليقين.
وبتعبير آخر : أنّ مفاد دليل الاستصحاب هو عدم جواز رفع اليد عن الحالة السابقة حيث يكون رفع اليد عنها يصدق عليه أنّه نقض لليقين بالشكّ ، فما دام هذا العنوان موجودا حرم النقض وجرى الاستصحاب لإثبات البقاء التعبّدي ، سواء كان إلى جانب هذا الشكّ يقين أم لا ؛ لأنّ وجوده إلى جانب الشكّ لا يضرّ ، وإنّما الذي يضرّ هو أن يكون النقض مستندا إلى اليقين نفسه فإنّه حينئذ لا يجري الاستصحاب.
وفي مقامنا حيث إنّ العلم الإجمالي المتعلّق بالواقع عبارة عن العلم المشوب بالشكّ لا العلم وحده ، فيكون كلّ واحد من الأفراد ـ وإن كان من المحتمل انطباق الواقع عليه ـ مشكوك البقاء ، ويكون رفع اليد عن حالته السابقة ـ أي الطهارة في موردنا ـ نقضا لليقين السابق بالشكّ اللاحق ، إذ لا يوجد يقين لكي ننقض به اليقين السابق ، وإنّما الموجود هو اليقين المشوب بالشكّ لا اليقين وحده. وما دام الشكّ موجودا فيصدق نقض اليقين بالشكّ.
نعم ، هذا الاستصحاب يجري في كلّ الأطراف ولذلك يقع التعارض والتساقط بسبب العلم الإجمالي المنجّز.
فإن قيل : بل لا يشمل ؛ لأنّنا حينئذ لا ننقض اليقين بالشكّ بل باليقين.
كان الجواب : أنّ ( الباء ) هنا لا يراد بها النهي عن النقض بسبب الشكّ ، وإلا