الحكميّة ، كما إذا شكّ في بقاء نجاسة الماء أو حرمة المقاربة بعد زوال التغيّر أو النقاء من الدم ؛ وذلك لأنّ النجاسة والحرمة وكلّ حكم شرعيّ ليس له وجود وثبوت إلا بالجعل ، والجعل آني دفعي ، فكلّ المجعول يثبت في عالم الجعل في آن واحد من دون أن يكون البعض منه بقاء للبعض الآخر ومترتّبا عليه زمانا.
فنجاسة الماء المتغيّر بتمام حصصها وحرمة مقاربة المرأة بتمام حصصها متقارنة زمانا في عالم الجعل ، وعليه فلا شكّ في البقاء بل ولا يقين بحدوث المشكوك أصلا ، بل المتيقّن حصّة من الجعل والمشكوك حصّة أخرى منه ، فلا يجري استصحاب النجاسة أو الحرمة.
قد يقال : إنّ الاستصحاب لا يمكن جريانه في الشبهات الحكميّة بناء على أخذ ركنيّة الشكّ سواء كانت بعنوان الشكّ بالبقاء أم كانت بعنوان الشكّ بما تعلّق به اليقين.
وتوضيح ذلك : أنّ الشكّ في الشبهات الحكميّة يعني الشكّ في الحكم ، والشكّ في الحكم إن كان مباشرة وبلا توسّط الشكّ بالموضوع أو بقيوده فهذا يعني الشكّ في النسخ ، والذي يجري فيه استصحاب عدم النسخ ، إلا أنّ موارد هذا النحو من الشكّ قليلة جدّا ونادرة.
فلا بدّ أن يكون الشكّ في الحكم ناشئا من الشكّ في الموضوع بمعنى أنّ هناك بعض القيود والخصوصيّات التي يشكّ في دخالتها كانت موجودة ثمّ ارتفعت ، ولذلك يشكّ في الموضوع وبالتالي يشكّ في الحكم.
كما إذا علمنا بنجاسة الماء المتغيّر بأوصاف النجس ثمّ زالت هذه الأوصاف من نفسها من دون تطهير بالماء ، فهنا سوف نشكّ في أنّ هذا الماء الذي زال التغيّر عنه هل هو نجس أم طاهر؟ فهذا شكّ في الحكم.
وكما إذا علمنا بحرمة مقاربة المرأة الحائض أثناء نزول الدم ، إلا أنّه بعد انقطاع الدم عنها وقبل اغتسالها سوف نشكّ في أنّه يجوز مقاربتها أم لا؟ فهذا شكّ في الحكم أيضا.
فهل يجري استصحاب الحكم السابق أي استصحاب بقاء نجاسة الماء حتّى بعد زوال التغيّر من نفسه؟ وهل يجري استصحاب بقاء حرمة وطء المرأة حتّى بعد انقطاع الدم عنها وقبل اغتسالها؟