قد يقال : إنّه لا يجري ؛ وذلك لاختلال الركن الثاني.
وبيانه : أنّ الأحكام الشرعيّة عالمها الجعل والتشريع ؛ لأنّها اعتبارات شرعيّة تصدر من الشارع على موضوعها المفترض والمقدر الوجود ، وهذا يعني أنّ الحكم بكلّ حصصه موجود في عالم الجعل ، ولا يوجد تدرّج فيها ، بمعنى أنّه يوجد في آن واحد بكلّ حصصه دفعة واحدة ، وليس هناك ترتّب في الزمان بين بعض هذه الحصص مع البعض الآخر.
فنجاسة الماء المتغيّر بتمام حصصها ( أي الماء المتغيّر فعلا والماء الذي زال عنه التغيّر من نفسه بعد أن كان متغيّرا ) وحرمة مقاربة المرأة الحائض بتمام حصصها ( أي المرأة التي يسيل منها الدم والتي انقطع عنها الدم قبل طهرها واغتسالها ) ، وحينئذ فإمّا أن نعلم بهذا الحكم الموجود في عالم الجعل فلا يكون لدينا شكّ ، وإمّا ألاّ نعلم به فلا يقين ، وإمّا أن نعلم ببعض حصصه دون البعض الآخر ، فيكون لدينا يقين بالبعض الذي علم به ولا شكّ فيه وجهل بالبعض الآخر ولا علم فيه.
وفي مقامنا نعلم ببعض الحصص ونشكّ بالبعض الآخر ، وحيث إنّه لا ارتباط ولا ترتّب لبعض الحصص على بعضها الآخر في عالم الجعل ، فما يكون معلوما ليس مشكوكا وما يكون مشكوكا ليس معلوما ؛ لأنّ المتيقّن حصّة والمشكوك حصّة أخرى لا ارتباط لها بالحصّة الأولى في عالم الجعل ، لأنّ الحصص في عالم الجعل كلّها متقارنة ودفعيّة.
نعم ، في عالم المجعول يوجد ترتّب في الزمان بين الحصص ؛ لأنّ الماء يكون غير متغيّر ثمّ يتغيّر ثمّ يزول التغيّر من نفسه ، إلا أنّ الوجود الخارجي للحصص ليس هو الموضوع للحكم ، وإنّما الموضوع له هو ما يكون في عالم الجعل وهو غير مترتّب ، بل دفعي.
وعليه فلا يجري الاستصحاب لاختلال الركن الثاني ؛ إذ لا علاقة ولا ارتباط للشكّ باليقين أو للمشكوك بالمتيقّن.
وهذا الكلام مبني على ملاحظة عالم الجعل فقط ، فإنّ حصص المجعول فيه متعاصرة ، بينما ينبغي ملاحظة عالم المجعول ، فإنّ النجاسة بما هي صفة للماء المتغيّر الخارجي لها حدوث وبقاء ، وكذلك حرمة المقاربة بما هي صفة للمرأة الحائض