وعلى هذا الأساس لا بدّ أن ننظر إلى الحيثيّة بما هي موجودة في الخارج وعالم المجعول لا عالم الجعل والذهن.
وعليه فالمعروض محدّد واقعا ، وما هو داخل فيه وما هو خارج عنه لا يتّبع في دخوله وخروجه نحو أخذه في عالم الجعل ، بل مدى قابليّته للاتّصاف بالحكم خارجا.
فالتغيّر مثلا لا يتّصف بالنجاسة والقذارة في الخارج ، بل الذي يوصف بذلك ذات الماء ، والتغيّر سبب الاتّصاف.
والتقليد وأخذ الفتوى يكون من العالم بما هو عالم أو من علمه بحسب الحقيقة.
فالتغيّر حيثيّة تعليليّة ولو أخذت تقييديّة جعلا ودليلا ، والعلم حيثيّة تقييديّة لوجوب التقليد ولو أخذ شرطا وعلّة جعلا ودليلا.
وعلى هذا نقول : إنّ الحكم عرض محدّد وكذا المعروض محدّد في الواقع ، تبعا لما لاحظه الشارع في عالم الجعل واللحاظ ، أي أنّ الشارع صبّ حكمه على المعروض المحدّد.
وأمّا الحيثيّات والخصوصيّات الداخلة أو الخارجة بالنسبة للمعروض ، فهذه لا يتّبع فيها كيفيّة أخذها في عالم الجعل واللحاظ ، بل خروجها ودخولها يتّبع فيه مدى قابليّتها للاتّصاف بالحكم في الخارج ، فإذا كانت قابلة لاتّصاف الحكم فهي داخلة وإلا فهي خارجة.
وبهذا يكون الميزان والضابط لكون الحيثيّة تعليليّة أي خارجة أو تقييديّة أي داخلة هو مدى قابليّتها لاتّصاف الحكم بها في الخارج.
فمثلا التغيّر المأخوذ في موضوع الحكم بالنجاسة على الماء إن كان قابلا للاتّصاف بالحكم فهو حيثيّة تقييديّة وإن لم يكن قابلا لذلك فهو حيثيّة تعليليّة.
ومن الواضح أنّ التغيّر لا يتّصف بالنجاسة ؛ إذ لا يقال : ( التغيّر نجس ) وإنّما يقال : ( الماء نجس ) ، فإذن ما هو داخل ذات الماء فقط ، والتغيّر علّة لذلك ، سواء كان مأخوذا في لسان الدليل شرطا وعلّة أم كان مأخوذا قيدا ووصفا ؛ لأنّ الاعتبار بلحاظ عالم الخارج لا بلحاظ عالم الجعل واللحاظ.