والاجتهاد أو العلم المأخوذ في موضوع الحكم بتقليد الشخص العالم إن كان قابلا للاتّصاف بالحكم فهو حيثيّة تقييديّة وإلا فهو حيثيّة تعليليّة.
ومن الواضح أنّ الاجتهاد أو العلم يصحّ اتّصافه بالحكم فيقال : قلّد العلم أو الاجتهاد ، أو يقال : قلّد من يكون عالما ، ولا يقال : ( قلّد الشخص ) على الإطلاق.
وهذا يعني أنّه حيثيّة تقييديّة سواء أخذ في لسان الدليل وعالم الجعل شرطا وعلّة أم وصفا وقيدا.
وبهذا يظهر أنّ الضابط لكون الحيثيّة تعليليّة أو تقييديّة هو كونها قابلة للاتّصاف بالحكم في الخارج أو غير قابلة لذلك ، وليس الضابط لذلك كونها مأخوذة في لسان الدليل وعالم الجعل شرطا أو قيدا ؛ لأنّ الاستصحاب في الشبهات الحكميّة يجري بلحاظ عالم المجعول والخارج لا عالم الجعل واللحاظ.
وهنا نواجه سؤالا آخر وهو : أنّ المعروض واقعا بأي نظر نشخّصه؟ هل بالنظر الدقيق العقلي ، أو بالنظر العرفي؟
مثلا : إذا أردنا في الشبهة الحكميّة أنّ نستصحب اعتصام الكرّ بعد زوال جزء يسير منه ـ فيما إذا احتملنا بقاء الاعتصام وعدم انثلامه بزوال ذلك الجزء ـ فكيف نشخّص معروض الاعتصام؟
فإنّنا إذا أخذنا بالنظر الدقيق العقلي وجدنا أنّ المعروض غير محرز بقاء ؛ لأنّ الجزء اليسير الذي زال من الماء يشكّل جزءا من المعروض بهذا النظر ، وإذا أخذنا بالنظر العرفي وجدنا أنّ المعروض لا يزال باقيا ببقاء معظم الماء ؛ لأنّ العرف يرى أنّه نفس الماء السابق.
والشيء نفسه نواجهه عند استصحاب الكريّة بعد زوال الجزء اليسير من الماء في الشبهة الموضوعيّة.
وهنا سؤال آخر : بعد أن عرفنا أنّ الضابط في تحديد كون الحيثيّة تعليليّة أو تقييديّة هو ملاحظة المعروض في الخارج ومدى اتّصاف الحيثيّة بالحكم ، نريد أن نشخّص هذا الضابط ؛ وذلك لأنّ تشخيص المعروض الخارجي إمّا أن يكون بالنظر العقلي الدقيق ، وإمّا أن يكون بالنظر العرفي المسامحي ، فإنّ هذين النظرين يختلفان في النتيجة.