وبيان ذلك : إذا كان لدينا ماء بقدر كرّ فهو محكوم بالاعتصام وعدم الانفعال بملاقاة النجاسة ما لم يحصل التغيّر ، فإذا أخذنا من هذا الماء مقدارا يسيرا جدّا ـ كقبضة اليد مثلا ـ فشككنا في بقائه على صفة الاعتصام أو زوالها عنه بسبب فقدانه لذلك الجزء اليسير من الماء.
فهل يجري استصحاب الاعتصام بنحو الشبهة الحكميّة ، بأن يقال : إنّ هذا الماء كان معتصما والآن نشكّ في بقائه على الاعتصام بسبب فقدانه مقدارا يسيرا من الماء ، فيجري استصحاب الاعتصام؟ أو أنّ الاستصحاب لا يجري ؛ لأنّ الماء الذي كان معتصما هو الماء الواجد لهذا الجزء اليسير الذي أخذ منه ، والماء المشكوك كونه معتصما هو الماء الفاقد لهذا المقدار ، فلم يتّحد الموضوع أو القضيّة المتيقّنة والمشكوكة؟
وهنا الجواب يختلف باختلاف الميزان والضابط الذي على أساسه نشخّص المعروض في الخارج ، فنقول : إن كان الميزان هو النظر العقلي الدقيق ، كان الماء المحكوم بالاعتصام يقينا غير الماء المشكوك الاعتصام ، فالموضوع غير محرز أو المعروض ليس متّحدا ؛ لأنّ الجزء اليسير من الماء المأخوذ يعتبر جزءا من الماء ويشكّل جزءا من الكرّ المحكوم بالاعتصام ، فمع فقدانه يفقد الكرّ وبالتالي الاعتصام.
وإن كان الميزان هو النظر العرفي المسامحي ، فالماء أي المعروض للاعتصام لا يزال باقيا على حاله ؛ لأنّه يقال عرفا إنّ هذا الماء الفاقد لمقدار يسير لا يزال على الاعتصام ، بحيث إنّه يرى عرفا أنّ هذا الماء هو نفس ذلك الماء واستمرار له.
ونفس هذا الكلام يجري في الشبهات الموضوعيّة ، فيما إذا أردنا أن نستصحب بقاء الكرّيّة لهذا الماء بعد العلم بالكرّيّة ثمّ أخذ مقدار منه ، فإنّه يشكّ في بقاء الموضوع بناء على النظر العقلي الدقيق فلا يجري الاستصحاب ، بينما يكون الموضوع واحدا بناء على النظر العرفي المسامحي فيجري الاستصحاب.
والجواب : أنّ المتّبع هو النظر العرفي ؛ لأنّ دليل الاستصحاب خطاب عرفي منزّل على الأنظار العرفيّة ، فالاستصحاب يتّبع صدق النقض عرفا ، وصدقه كذلك يرتبط بانحفاظ المعروض عرفا.
والجواب : أنّ الميزان في تشخيص المعروض في الخارج هو النظر العرفي المسامحي.
والوجه في ذلك هو : أنّ دليل الاستصحاب عبارة عن خطاب بأمر عرفي ؛ لأنّ