يجر الاستصحاب حتّى لو فرض وجود أثر على نفس التعبّد الاستصحابي ، فإنّ هذا الأثر وحده لا يكفي في جريان الاستصحاب ما دام المستصحب غير قابل للتنجيز أو التعذير.
ثمّ إنّ كون المستصحب قابلا للتنجيز والتعذير يشمل عدّة موارد :
الأول : أن يكون المستصحب حكما شرعيّا كاستصحاب نجاسة الماء أو استصحاب وجوب الجمعة بعد زوال التغيّر أو بعد عصر الحضور.
الثاني : أن يكون المستصحب عدم حكم شرعي كاستصحاب عدم وجوب الحجّ عند الشكّ في تحقّق الاستطاعة.
الثالث : أن يكون المستصحب موضوعا لحكم شرعيّ كاستصحاب عدالة زيد التي هي موضوع لجواز الصلاة خلفه أو لقبول شهادته.
الرابع : أن يكون المستصحب دخيلا في متعلّق الحكم نفيا أو إثباتا كاستصحاب طهارة الثوب الدخيلة إثباتا في الصلاة ، أو استصحاب عدم الطهارة كذلك ، فإنّ الطهارة ثبوتا وانتفاء دخيلة في الواجب كالصلاة.
فهذه الاستصحابات كلّها ممّا يترتّب على المستصحب فيها أثر تنجيزي أو تعذيري ، فاستصحاب الحكم منجّز تارة إن كان الحكم إلزاميّا كالوجوب والحرمة ، ومعذّر أخرى بأن كان الحكم الجواز ، واستصحاب عدم الحكم معذّر ؛ لأنّه ينفي التكليف ، واستصحاب الموضوع تارة يكون منجّزا بأن كان موضوعا لحكم إلزامي ، وأخرى يكون معذّرا بأن كان موضوعا لحكم ترخيصي.
واستصحاب ما يكون دخيلا في متعلّق الحكم أي الواجب تارة يكون منجّزا كاستصحاب طهارة الثوب أو عدم طهارته ، فإنّ استصحاب طهارته تجعل المكلّف معذورا لو دخل في الصلاة بهذا الثوب ثمّ تبيّن نجاسته فيما بعد ، واستصحاب نجاسته تجعل المكلّف ملزما بتطهيره أو تبديله وعدم جواز الصلاة فيه.
ومدرك هذه الصيغة التي هي أضيق من الصيغة السابقة استظهار ذلك من نفس دليل الاستصحاب ؛ لأنّ مفاده النهي عن نقض اليقين بالشكّ ، والنقض هنا ليس هو النقض الحقيقي ؛ لأنّه واقع لا محالة ولا معنى للنهي عنه ، وإنّما هو النقض العملي ، وفرض النقض العملي لليقين هو فرض أنّ اليقين ـ بحسب طبعه ـ له