اقتضاء عملي لينقض عملا ، والاقتضاء العملي لليقين إنّما يكون بلحاظ كاشفيّته ، وهذا يفترض أن يكون اليقين متعلّقا بما هو صالح للتنجيز والتعذير لكي يشمله إطلاق دليل الاستصحاب.
والدليل على صحّة هذه الصياغة هو أنّ النقض الوارد في كبرى الاستصحاب ليس هو النقض الحقيقي وإنّما هو النقض العملي.
أمّا أنّ النقض الحقيقي غير ممكن أن يكون هو المراد ، فلأنّ النقض الحقيقي معناه أنّ الشارع حكم ببقاء اليقين عند الشكّ أو أنّه نهى عن نقض اليقين عند الشكّ.
وهذا المعنى غير معقول ؛ لأنّ اليقين منتقض حقيقة وتكوينا بسبب حصول الشكّ ، إذ لا يمكن اجتماع اليقين والشكّ معا ، ففرض حصول الشكّ معناه انتقاض اليقين من نفسه ، فلا معنى لأن يعبّدنا الشارع بعدم نقض اليقين ؛ لأنّه يكون من النهي عن شيء واقع لا محالة ، وهو خارج عن قدرة المكلّف.
وبتعبير آخر : أنّ النقض هنا واقع لا محالة لفرض الشكّ فلا يعقل النهي عن النقض الحقيقي لليقين ؛ لأنّه لما انتقض تكوينا بالشكّ فصار عدم نقضه تكليفا بما لا يطاق ولا يقدر المكلّف عليه.
وأمّا النقض العملي فهو المعقول فيكون المراد أنّ آثار اليقين لا يجوز نقضها ورفع اليد عنها بسبب الشكّ.
ومن الواضح أنّ الفرض المذكور لا يتمّ إلا إذا كان اليقين متعلّقا بشيء له أثر عملي تنجيزي أو تعذيري لكي يصحّ النهي عن نقضه ، وعليه فلا بدّ من فرض أن يكون لليقين اقتضاء عملي بالفعل لكي يصحّ نقضه بالشكّ ، وبالتالي يصحّ النهي الشرعي عنه ، وفرض الاقتضاء العملي لليقين لا يكون بلحاظ نفس اليقين ؛ لأنّ النقض العملي يقابله الجري العملي والجري العملي بلحاظ اليقين لا يكون بلحاظ اليقين نفسه ، بل بلحاظ المتيقّن ، وهذا يفترض أن يكون اليقين هنا ملحوظا بما هو كاشف وطريق عن المتعلّق.
وبهذا يكون النقض العملي لليقين بلحاظ كاشفيّته متوجّها في الحقيقة إلى آثار المتيقّن التنجيزيّة أو التعذيريّة ، فيكون دليل الاستصحاب شاملا لكلّ الموارد التي يكون فيها تنجيز وتعذير بلحاظ المتيقّن.