فالأحسن في الجواب عن هذا الإشكال هو رفض هذه الصياغة التي نشأ منها الإشكال ؛ لأنّ هذه الصياغة لا دليل عليها سوى أحد أمرين ، وكلاهما غير تامّ.
الأوّل : أنّ المستصحب إذا لم يكن حكما شرعيّا ولا موضوعا لحكم شرعي كان أجنبيّا عن الشارع فلا معنى للتعبّد به شرعا.
والجواب عن ذلك : أنّ التعبّد الشرعي معقول في كلّ مورد ينتهى فيه إلى التنجيز والتعذير ، وهذا لا يختصّ بما ذكر ، فإنّ التعبّد بوقوع الامتثال أو عدمه ينتهي إلى ذلك أيضا.
الأمر الأوّل : أنّ المستصحب إذا لم يكن موضوعا لحكم شرعي ، ولا حكما شرعيّا ؛ فلا معنى لأن يعبّدنا الشارع به ؛ لأنّه والحال هذه يكون أجنبيّا عن الشارع ، والتعبّد الشرعي إنّما يكون فيما إذا كان الشيء ممّا تناله يد الشارع بما هو شارع ، والشارع بهذا اللحاظ لا يجعل إلا الحكم وموضوعه ، فبإمكانه أن يعبّدنا بالموضوع أو بالحكم بقاء ، وأمّا غيرهما فلا تطالهما يد التعبّد ، وبالتالي يكون شمول دليل الاستصحاب لغير الموضوع والحكم لغوا ولا فائدة منه.
وجوابه : أنّ التعبّد الشرعي يعقل في كلّ مورد ينتهى فيه إلى أثر عملي تنجيزي أو تعذيري يترتّب على المستصحب ؛ لأنّ محذور اللغويّة أو مقدّمات الحكمة تفترض أن يكون المستصحب ذا أثر عملي ، إذ لو لم يكن كذلك كان التعبّد به لغوا وبلا فائدة وهو يتنافى مع الحكمة ومقدّماتها.
ثمّ إنّ الأثر العملي التنجيزي والتعذيري لا يختصّ في الموارد التي يكون المستصحب فيها حكما أو موضوعا ، بل يشمل كلّ مورد يترتّب عليه هذا الأثر ، ومنها استصحاب المتعلّق أو قيوده وشروطه وأجزائه ؛ لأنّها ممّا يترتّب عليها الأثر العملي.
فإذا عبّدنا الشارع بتحقّق الامتثال كان لهذا التعبّد أثر عملي تعذيري فيما إذا انكشف فيما بعد خلاف الواقع ، وإذا عبّدنا بعدم تحقّق الامتثال كان له أثر عملي تنجيزي في لزوم الإتيان بالمتعلّق أو بقيوده وشروطه وأجزائه.
الثاني : أنّ مفاد دليل الاستصحاب جعل الحكم المماثل ظاهرا ، فلا بدّ أن يكون المستصحب حكما شرعيّا أو موضوعا لحكم شرعيّ ليمكن جعل الحكم المماثل على طبقه.