وجدانا كما هو واضح ، وغير ثابت تعبّدا ؛ لأنّ دليل الاستصحاب قاصر عن إثباته كما تقدّم ، فيقتصر على المقدار الثابت تعبّدا لا أكثر.
كان الجواب : أنّ الحكم الثاني الذي أخذ في موضوعه الحكم الأوّل لا يفهم من لسان دليله إلا أنّ الحكم الأوّل بكبراه وصغراه موضوع للحكم الثاني ، والمفروض أنّه محرز كبرى وصغرى ، جعلا وموضوعا ، وهذا هو معنى اليقين بموضوع الحكم الثاني ، فيتنجّز الحكم الثاني كما يتنجّز الحكم الأوّل.
كان الجواب : أنّ الحكم الثاني المترتّب على الحكم الأوّل بحيث يكون الحكم الأوّل جزءا من موضوعه ، لم يؤخذ في دليل الاستصحاب ، ولا نريد إثباته بالتعبّد الاستصحابي ، وإنّما يثبت لتحقّق كبراه وصغراه.
فمثلا إذا أردنا إثبات حلّيّة الطعام وجواز أكله التي هي أثر شرعي مترتّب على طهارة الطعام ، التي هي أثر شرعي مترتّب على طهارة الماء المغسول به الثابتة بالاستصحاب ، نقول : إنّ هذا الحكم الثاني كبراه ثابتة وجدانا ؛ لأنّنا نعلم بالجعل الثابت في عالم التشريع القائل بأنّ الطعام الطاهر يجوز أكله ، لدلالة الأخبار والروايات على ذلك.
وأمّا صغراه أي الموضوع وهو ثبوت ووجود طعام طاهر فعلا ، فهذه ثابتة بالتعبّد الاستصحابي ، حيث إنّ استصحاب طهارة الماء يثبت به موضوع طهارة الطعام ؛ لأنّه أثر شرعي معلوم جعلا بالوجدان ومعلوم موضوعا بالاستصحاب. وهذا يعني أنّ الاستصحاب أحرز به أو تنجّز به طهارة الطعام التي هي الصغرى للحكم بحلّيّة الطعام وجواز أكله. وبالتالي يكون الحكم الثاني ثابتا لثبوت جعله وجدانا ، ولثبوت صغراه تعبّدا فيكون منجّزا.
ولذلك نقول : إنّنا لا نريد بالاستصحاب إثبات الحكم الثاني ابتداء ، ليقال إنّ دليل الاستصحاب غير شامل له ، وإنّما نريد بالاستصحاب إثبات أحد جزأي موضوع منجّزيّة الحكم الثاني وهي الصغرى ؛ لأنّ الكبرى أي الجعل معلومة بالوجدان.
فكما قلنا بالنسبة للأثر الأوّل نقوله بالنسبة للأثر الثاني ؛ لأنّ الاستصحاب يثبت به تمام موضوع الأثر الأوّل ، وبالتالي يثبت به جزء موضوع الأثر الثاني أيضا ، فلا فرق بينهما من هذه الناحية.