التفت إلى هذا التفصيل هو المحقّق الخوانساري ، ولعلّ المحقّق الحلّي سبقهم إلى ذلك في ( المعارج ) ، وعلى كلّ حال فالتفصيل يتّجه إلى أنّ الاستصحاب لا يجري إذا كان الشكّ في المقتضي. وأمّا إذا كان الشكّ في الرافع فيجري الاستصحاب.
فهنا دعويان إحداهما إيجابيّة وهي جريان الاستصحاب في موارد الشكّ في الرافع ، وهي صحيحة لا كلام فيها.
والأخرى سلبيّة وهي عدم جريان الاستصحاب في موارد الشكّ في المقتضي ، وهي غير مقبولة عندنا.
وقبل الدخول في الاستدلال على هذه الدعوى والنقاش فيها لا بدّ من تعيين المراد من المقتضي والرافع.
فالمقتضي يراد به ألاّ يكون الشيء له قابليّة واستعداد للاستمرار والامتداد في عمود الزمان ، فيشكّ في بقائه من جهة الشكّ في انتهاء استعداده وقابليّته للاستمرار ، ككبير السنّ الذي يشكّ في بقائه حيّا ، فإنّ منشأ الشكّ هو أنّ كبر السنّ لا يوجب استمرار الحياة وامتدادها ، وكخيار الغبن الذي يشكّ في بقائه من جهة انتهاء زمانه حيث يشكّ أنّه هل له القابليّة والاستعداد للاستمرار والامتداد أم لا؟
وأمّا الرافع فهو أن يكون الشيء له قابليّة واستعداد للاستمرار في عمود الزمان ، وإنّما ينشأ الشكّ في بقائه نتيجة الشكّ في طروّ المانع والمزيل والرافع لهذا الاستمرار والاستعداد ، كالشاب الفتى ، الذي يشكّ في بقائه حيّا من جهة وجود مانع من استمرار الحياة كالقتل أو الغرق ونحو ذلك ، وكالطهارة أو النجاسة التي تستمرّ إلى وجود الرافع والمزيل.
وأمّا مدرك هذا التفصيل فيمكن أن يستدلّ عليه بوجهين كلاهما غير تامّ :
الأوّل : أن يدّعى بأنّ دليل الاستصحاب ليس فيه إطلاق لفظي ، وإنّما ألغيت خصوصيّة المورد في قوله : « ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ » بقرينة الارتكاز العرفي وكون الكبرى مسوقة مساق التعليل الظاهر في الإشارة إلى قاعدة عرفيّة مركوزة ، وليست هي إلا كبرى الاستصحاب ، ولمّا كان المرتكز عرفا من الاستصحاب لا يشمل موارد الشكّ في المقتضي ، فالتعميم الحاصل في الدليل بضمّ هذا الارتكاز لا يقتضي إطلاقا أوسع من موارد الشكّ في الرافع.