الوجه الأوّل : أن يقال : إنّ روايات الاستصحاب ليس فيها إطلاق لفظي ، لكي يتمسّك بهذا الإطلاق في كلّ الموارد حتّى موارد الشكّ في المقتضي ، بل روايات الاستصحاب واردة في موارد خاصّة ، وهي موارد الشكّ في الرافع ؛ لأنّ بعضها كان في الشكّ في حصول النوم الرافع للطهارة وبعضها كان في الشكّ في طروّ النجاسة على الثوب الطاهر.
إلا أنّنا ألغينا خصوصيّة الطهارة الحدثيّة أو الخبثيّة وعمّمنا الاستصحاب كقاعدة كلّيّة عامّة تجري في كلّ الموارد ، إلا أنّ هذه الموارد ليست هي إلا موارد الشكّ في الرافع فقط دون المقتضي ؛ وذلك لأنّ التعميم كان مستندا على أساس كون كبرى الاستصحاب ظاهرة في التعليل بأمر مركوز عند العرف والعقلاء ؛ لأنّها مسوقة مساق بيان العلّة والسبب للحكم بالبقاء.
والوجه في كونها عرفيّة مركوزة هو التعبير بـ ( لا ينبغي ) أو ( لا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ) فإنّ الأولى قرينة على أنّ العرف والعقلاء لا يفعلون ذلك ، والثانية فيها ذكر لفظي للتأبيد الذي يفيد العموم.
وحينئذ لا بدّ من ملاحظة ما هو المركوز عند العقلاء لنرى مدى سعة هذا التعميم؟
ومن الواضح أنّ العرف والعقلاء إنّما يجرون الاستصحاب في موارد الشكّ في الرافع فقط دون المقتضي ؛ لأنّهم إنّما يحكمون ببقاء الشيء عند ما يشكّون في بقائه بعد علمهم باستعداده وقابليّته للبقاء.
والحاصل : أنّه لا يوجد إطلاق لفظي ليتمسّك به ، والإطلاق والتعميم وإلغاء خصوصيّة المورد يفيد أنّه يجري في سائر الموارد التي هي من هذا القبيل ، أو التي ارتكز عند العرف جريان الاستصحاب فيها ، وليست هي إلا موارد الشكّ في الرافع.
وهذا البيان يتوقّف ـ كما ترى ـ على عدم استظهار الإطلاق اللفظي في نفسه ، وظهور ( اللام ) في كلمتي ( اليقين ) و( الشكّ ) في الجنس.
والجواب عن هذا البيان : أنّه متوقّف على أمرين :
الأوّل : عدم استظهار الإطلاق اللفظي من أدلّة الاستصحاب ، إذ لو استظهر الإطلاق اللفظي لأمكن التمسّك به ؛ لتعميم القاعدة لكلّ الموارد سواء الشكّ في المقتضي أم الرافع.