وحينئذ يجري استصحاب النجاسة الفعليّة ، واستصحاب المجعول بهذا المعنى يتوقّف جريانه ـ كما ترى ـ على وجود الموضوع ، وهذا يعني أنّه لا يجري بمجرّد افتراض المسألة على وجه كلّيّ والالتفات إلى حكم الشارع بنجاسة الماء المتغيّر ، ويقضي ذلك بأنّ إجراء الاستصحاب من شأن المكلّف المبتلى بالواقعة خارجا لا من شأن المجتهد الذي يستنبط حكمها على وجه كلّي ، فالمجتهد يفتيه بجريان الاستصحاب في حقّه عند تماميّة الأركان لا أنّ المجتهد يجريه ويفتي المكلّف بمفاده.
وقبل الجواب عن شبهة المعارضة بين استصحاب المجعول واستصحاب عدم الجعل يجب أن نذكر المراد من استصحاب المجعول ، فإنّ تنقيح ذلك يلقي ضوءا على حلّ هذه الشبهة ؛ وذلك لأنّ استصحاب المجعول قد يراد به أحد معنيين :
الأوّل : استصحاب المجعول الفعلي الموجود في الخارج ، أي استصحاب الحكم المجعول الجزئي.
الثاني : استصحاب المجعول تقديرا ، أي استصحاب الحكم المجعول الكلّي.
أمّا النحو الأوّل : أي استصحاب المجعول الفعلي ، فهذا يفترض أن يكون الموضوع فعليّا ، وفعليّة الموضوع معناها وجود الموضوع في الخارج بوجود كلّ قيوده وشروطه وخصوصيّاته ، فلا بدّ أن يكون الموضوع محقّق الوجود في الخارج لكي يكون الحكم فعليّا.
وحينئذ يمكن أن يتّصف باليقين بالحدوث والشكّ في البقاء الذي هو الركن الثالث من أركان الاستصحاب ، أي تكون هناك قضيّة واحدة متيقّنة ومشكوكة.
فمثلا نجاسة الماء المتغيّر إنّما تكون فعليّة ، فيما إذا وجد في الخارج ماء واتّصف بالتغيّر بأوصاف النجاسة فعلا ، فيصدق حينئذ اليقين بالحدوث ، ثمّ إذا زال التغيّر من نفسه عن هذا الماء فعلا فتغيّرت الأوصاف فهنا يصدق الشكّ في البقاء ؛ وذلك لأنّ القضيّة المتيقّنة والمشكوكة واحدة وهي الماء الموجود في الخارج فعلا ، والذي كان متيقّن النجاسة عند اتّصافه بالتغيّر الفعلي ، ثمّ صار مشكوك النجاسة عند ما زال عنه التغيّر فعلا ، ولهذا يكون الماء الثاني امتدادا واستمرارا للماء الأوّل ، أي الحصّة الثانية وهي الماء الذي زال عنه التغيّر هي بقاء للحصّة الأولى أي الماء الذي كان متغيّرا ؛ لأنّ