وأمّا إذا لاحظنا المجعول على نهج كلّي أي افترضنا الموضوع وافترضنا ثبوت الحكم الكلّي له ، ثمّ افترضنا الشكّ في بقاء هذا الحكم الكلّي نتيجة زوال التغيّر ، فهنا لا يجري الاستصحاب لعدم تماميّة أركانه ؛ وذلك لأنّ الشكّ المفترض لا يصدق عليه أنّه شكّ في البقاء للحكم المفترض ؛ لأنّ الحكم الكلّي ينصبّ في عالم الجعل على موضوعه الكلّي بتمام حصصه في عرض واحد ، أي أنّ الشارع يتصوّر تمام الحصص من الموضوع في مرتبة واحدة ويجعل الحكم.
فهو إمّا أن يكون قد جعل الحكم على تمام الحصص معا أو لا يكون كذلك ، بل جعله على هذه الحصّة دون تلك.
ولذلك عند ما نشكّ في ثبوت الحكم للحصّة الثانية فهو حكم غير الحكم الثابت للحصة الأولى ؛ لأنّ الثانية ليست بقاء للأولى ؛ لأنّ صدق الشكّ في البقاء يفترض الطوليّة بين الحصّتين ، وهذه الطوليّة لا تصدق إلا في عالم الخارج ؛ لأنّ الماء في الخارج هو الذي يتّصف بالتغيّر وبعدمه.
وأمّا في عالم التصوّر واللحاظ الذهني فنفرض سائر الحصص معا في آن واحد فلا طوليّة بينها ، وإنّما هي في عرض واحد ، ولذلك لا يصدق الشكّ في البقاء والوحدة بين القضيّتين ، فلا يجري الاستصحاب.
وهذا مخالف للوجدان العرفي والفقهي.
وبهذا تحصّل : أنّ إجراء استصحاب الحكم الفعلي تامّ في نفسه ، لكنّه يبتلي بأنّه من حقّ المكلّف لا المجتهد. وأمّا إجراء استصحاب الحكم الكلّي المجعول فهو غير تامّ الأركان.
ونحن قد أشرنا إلى هذا الاستشكال عند الكلام عن الركن الثاني من أركان الاستصحاب ، وهناك قلنا بأنّه يجري استصحاب الحكم المجعول الفعلي الجزئي ، غير أنّ هذا لا يحلّ المشكلة التي أثارها المحقّق العراقي هنا ، ولذلك لا بدّ من تعميق الكلام أكثر فنقول :
وأمّا الصحيح في الجواب فهو : أنّ المجعول الكلّي وهو نجاسة الماء المتغيّر مثلا يمكن أن ينظر إليه بنظرين :
أحدهما : النظر إليه بما هو أمر ذهني مجعول في أفق الاعتبار.