ففي مثال العنب المتقدّم ، فكما نعلم بالحرمة التعليقيّة عند تحقّق العنب وكونه رطبا والتي مفادها ( أنّ هذا العنب لو غلى لحرم ) ، فكذلك نعلم بالحلّيّة الفعليّة التنجيزيّة التي مفادها ( إنّ هذا العنب فعلا حلال ) حيث إنّ موضوع الحرمة غير ثابت فعلا ؛ لعدم وجود الغليان فعلا.
وعليه فكما يجري استصحاب الحرمة التعليقيّة فيما بعد جفاف العنب وغليانه ، حيث يشكّ في بقاء تلك الحرمة ، فكذلك يجري استصحاب الحلّيّة المنجّزة الفعليّة فيما بعد الجفاف والغليان للشكّ في ارتفاع هذه الحلّيّة وبقائها.
وهذان الاستصحابان متعارضان ؛ لأنّ أحدهما ينفي ما يثبته الآخر عن نفس الموضوع ، فيحكم بتساقطهما ، وبالتالي يرجع إلى الأصول العمليّة الجارية في المقام كأصالة الحلّيّة أو أصالة الطهارة أو أصالة البراءة.
وهذا الاعتراض يظهر من السيّد المجاهد صاحب ( المناهل ) ، حيث قدّم بعد إبراز التعارض استصحاب الحلية الفعلية.
وقد يجاب على ذلك بجوابين :
أحدهما : ما ذكره صاحب ( الكفاية ) (١) من أنّه لا معارضة بين الاستصحابين ، إذ كما أنّ الحرمة كانت معلّقة فتستصحب بما هي معلّقة ، كذلك الحلّيّة كانت في العنب مغيّاة بالغليان فتستصحب بما هي مغيّاة ، ولا تنافي بين حلّيّة مغيّاة وحرمة معلّقة على الغاية.
وأجيب على هذا الاعتراض بأجوبة أهمّها :
الجواب الأوّل : ما ذكره صاحب ( الكفاية ) من أنّ هذين الاستصحابين يمكن الأخذ بهما معا ولا تعارض بينهما.
والوجه في ذلك : أنّ استصحاب الحلّيّة يثبت لنا الحلّيّة المغيّاة بالغليان ؛ وذلك لأنّنا نعلم بأنّ هذا العنب حلال قبل غليانه ، إلا أنّ هذه الحلّيّة ليست مطلقة ، بل هي مغيّاة إلى حين غليانه ، ثمّ بعد صيرورة العنب جافّا وشككنا في بقاء هذه الحلّيّة جرى استصحابها فتثبت لنا الحلّيّة المغيّاة بالغليان.
وأمّا استصحاب الحرمة المعلّقة التي كانت ثابتة للعنب الرطب والتي يثبت بقاؤها
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٦٨ ـ ٤٦٩.