الذمّة فلا تكون منجّزة ، كغيرها من الحدود التي لا تدخل في العهدة كالإطلاق والاستقلاليّة.
وأمّا الحالة الثانية فالتباين فيها بين المفهومين ثابت في ذات الملحوظ لا في كيفيّة لحاظهما ، ومن هنا كان الدوران فيها دورانا بين المتباينين ؛ لأنّ الداخل في العهدة إمّا هذا المفهوم أو ذاك ، وهذا يعني أنّ العلم الإجمالي ثابت.
ولكن مع هذا تجري البراءة عن وجوب أخصّ العنوانين صدقا ، ولا تعارضها البراءة عن وجوب أعمّهما وفقا للجواب الأخير من الأجوبة المتقدّمة على البرهان الأوّل في المسألة الأولى من مسائل الدوران بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين.
وأمّا الحالة الثانية : وهي حالة كون التباين بين المفهومين موجودا في عالم اللحاظ وكيفيّته وفي عالم ذات الملحوظ والمرئي ، كما في مثال الدوران بين وجوب الإطعام أو الإكرام ، ففي عالم اللحاظ يختلف فيه الإكرام عن الإطعام ، وفي عالم الملحوظ يتغايران كذلك.
نعم ، في عالم الصدق الخارجي يكون الإكرام أعمّ صدقا من الإطعام ؛ لأنّه يشمله ويشمل غيره ، فالتباين إذن موجود ، فيكون هناك علم إجمالي دائر بين المتباينين : إمّا وجوب الإطعام وإمّا وجوب الإكرام ، فالداخل في العهدة إمّا هذا وإمّا ذاك.
وحيث إنّهما متباينان لحاظا وملحوظا فسوف يشكّ في متعلّق الوجوب ، وهل هو هذا المفهوم أو ذاك المفهوم المباين له؟ فالعلم الإجمالي موجود إذن.
إلا أنّ هذا العلم الإجمالي منحلّ انحلالا حكميّا ؛ وذلك لأنّ البراءة تجري في أحدهما من دون معارض لها ، فتجري البراءة عن المفهوم الأخصّ من الآخر بلحاظ عالم الصدق الخارجي ، أي عن وجوب الإطعام في مثالنا ، ولا تجري البراءة عن المفهوم الأعمّ صدقا وهو الإكرام ، ولذلك تسقط المنجّزيّة لانهدام الركن الثالث.
وأمّا كيفيّة انهدام هذا الركن فبأن يقال :
وذلك : أنّ البراءة عن وجوب الأعمّ ليس لها دور معقول لكي تصلح للمعارضة ؛ لأنّه إن أريد بها التأمين في حالة ترك الأعمّ مع الإتيان بالأخصّ فهو غير معقول ؛ لأنّ نفي الأعمّ يتضمن نفي الأخصّ لا محالة.
وإن أريد بها التأمين في حالة ترك الأعمّ بما يتضمّنه من ترك الأخصّ فهذا