الأصل النافي للوجوب التخييري تأمينا عنها فهي تحريم ضمّ ترك الإطعام إلى ترك العتق ، إذ بهذا الضمّ تتحقّق المخالفة ، وهي حيثية لا يشتمل عليها الوجوب التعييني للعتق ، إذ على الوجوب التعييني تكون المخالفة متحقّقة بنفس ترك العتق ، ولا يكون هناك بأس في ضمّ ترك الإطعام إلى ترك العتق ؛ لأنّه من ضمّ ترك المباح إلى ترك الواجب. فالبراءة عن وجوب العتق ممّن أطعم معارضة بالبراءة عن حرمة ترك الإطعام ممّن ترك العتق.
وأمّا الحيثيّة الزائدة في الوجوب التخييري فهي حيثيّة إلزاميّة وتوضيحها : أنّ وجوب العتق إنّما يثبت فيما إذا ترك وجوب الإطعام والصيام ، فوجوب العتق ليس ثابتا مطلقا ، بل معلّق على ترك البديلين الآخرين ، وعليه فإذا ترك العتق لا يكون قد ارتكب حراما بمجرّد تركه ، وإنّما يكون ترك العتق محرّما فيما إذا ضمّ إليه ترك الإطعام والصيام ؛ لأنّه حينئذ يكون قد ترك جميع البدائل فتتحقّق المخالفة القطعيّة وهي محرّمة.
وهذه حيثيّة إلزاميّة ناظرة إلى جهة العصيان والمخالفة ، وهي حرمة ترك العتق الذي ضمّ إليه ترك الإطعام والصيام ، وهذه ليست موجودة في الوجوب التعييني للعتق ؛ لأنّه بناء على الوجوب التعييني يكون ترك العتق محرّما مطلقا سواء ضمّ إليه ترك الإطعام والصيام أم لا ، كما أنّه لا مدخليّة لضمّ فعل الغير إلى فعله في الامتثال ، إذ يكون ضمّ كلّ من فعل الغير إلى فعله أو ترك الغير إلى تركه من باب ضمّ الفعل أو الترك المباح إلى ترك أو فعل الواجب.
والحاصل : أنّ الوجوب التخييري فيه حيثيّة إلزاميّة وهي حرمة ضمّ ترك العتق إلى ترك الإطعام والصيام ، وهذه الحرمة مشكوكة ؛ لأنّه لا يعلم بالوجوب التخييري فتكون مجرى للبراءة فيثبت التأمين عنها.
وحينئذ يكون في كلّ من الوجوب التعييني والوجوب التخييري حيثيّة زائدة عن الآخر فتكون مجرى للبراءة ، فتجري البراءتان معا ، وتتعارضان ويحكم بتساقطهما ؛ لأنّه لا يمكن الأخذ بالبراءتين معا ؛ لأنّه مخالفة قطعيّة ؛ لأنّ البراءة عن وجوب العتق ممّن أطعم تعني أنّه يجوز ترك العتق ، والبراءة عن حرمة ترك الإطعام حين ترك العتق تعني جواز ترك الإطعام ، والجمع بينهما تعني جواز ترك العتق والإطعام معا وهو مخالفة قطعيّة ، والأخذ بأحدهما ترجيح بلا مرجّح ، فيتعيّن التساقط.