وهذا يعني أنّ البراءة تجري عن الوجوب التعييني ، ولا تعارضها البراءة عن الوجوب التخييري إذ لا معنى لجريانها عن الوجوب التخييري ؛ لأنّه يعني الترخيص في المخالفة القطعيّة وهي معلومة الحرمة.
وثالثا : نأخذ المبنى القائل بأنّ مرجع الوجوب التخييري إلى وجود غرضين لزوميّين للمولى غير أنّهما متزاحمان في مقام التحصيل ، بمعنى أنّ استيفاء أحدهما يعجّز المكلّف عن استيفاء الآخر ، ومن هنا يحكم بوجوب كلّ من الفعلين مشروطا بترك الآخر.
والحكم هنا أصالة الاشتغال ؛ لأنّ مرجع الشكّ في وجوب العتق تعيينا أو تخييرا حينئذ إلى الشكّ في أنّ الإطعام هل يعجّز عن استيفاء الغرض اللزومي من العتق ، فيكون من الشكّ في القدرة الذي تجري فيه أصالة الاشتغال؟
المبنى الثالث : هو المبنى القائل بأنّ التخيير الشرعي مرجعه إلى وجود غرضين لزوميّين أو أغراض لزوميّة بعدد البدائل بحيث يكون لكلّ واحد من البدائل غرض خاصّ به ، إلا أنّ هذه الأغراض متزاحمة في مقام التحصيل ، أي أنّ تحصيل أحدها يجعل المكلّف عاجزا عن تحصيل الغرض من الآخر ، ولذلك يكون كلّ من الفعلين مشروطا بترك الآخر.
وهذا شبيه بالمبنى الأوّل من جهة كون أحد البدائل واجبا فيما لو ترك الآخر ، ولكنّهما يختلفان من جهة أنّ المبنى الأوّل يفترض وجود غرض واحد يمكن استيفاؤه بأحد هذه البدائل ، بينما هذا المبنى يفترض تعدّد الغرض ، إلا أنّه لا يمكن استيفاء جميع هذه الأغراض بسبب عجز المكلّف عن ذلك ، إذ بمجرّد تحصيل الغرض الأوّل يصبح عاجزا عن تحصيل الغرض الثاني.
وعليه فإذا دار الأمر بين الوجوب التعييني لأحد البدائل وبين الوجوب التخييري ، فهذا يعني الدوران في أنّ الغرض هل هو متعلّق بهذا البدل بنحو التعيين بحيث لا يكون الإتيان بغيره معجّزا للمكلّف عن تحصيل الغرض منه ، أو أنّ الغرض متعلّق بكل واحد من البدائل ويكون الإتيان بأحدها معجّزا عن تحصيل الغرض في الآخر؟
ولذلك فإذا أتى بالإطعام سوف يشكّ في أنّه يعجّز المكلّف عن تحصيل الغرض