وهذا بخلاف ما إذا دار الأمر بين كونه جزءا أو ليس جزءا كالسورة ، فإنّ الموافقة القطعيّة تحصل بالإتيان بالمركّب مرّة واحدة واجدة للجزء لا بقصد الجزئيّة ، بل بقصد رجاء المطلوبيّة.
ثمّ إنّ ما ذكرناه من حكم الدوران بين الجزئيّة والمانعيّة إنّما هو على تقدير سعة الوقت للتكرار ، وأمّا لو كان الوقت ضيّقا لا يتّسع إلا للفعل مرّة واحدة فيكون المكلّف مخيّرا في الإتيان به مع الجزء أو بدونه ؛ لأنّه مضطرّ عمليّا إلى ذلك ، إذ لا يمكنه ترك المركّب رأسا ولا يمكنه تكراره بحسب الفرض لضيق الوقت ، فيتعيّن الإتيان به مع أحدهما ، وهنا سوف تتحقّق المخالفة الاحتماليّة في مقابل الموافقة الاحتماليّة.
وهذه المخالفة الاحتماليّة يؤمّن عنها بملاك الاضطرار ؛ لأنّه يؤمّن عن المخالفة القطعيّة فمن الأولى أن يؤمّن عن المخالفة الاحتمالية كما هو واضح ؛ لأنّ الضرورات تقدّر بقدرها.
وقد يقال : إنّ العلم الإجمالي المذكور غير منجّز ولا يمنع عن جريان البراءتين معا ، بناء على بعض صيغ الركن الرابع لتنجيز العلم الإجمالي ، وهي صيغة الميرزا (١) القائلة : بأنّ تعارض الأصول مرهون بأداء جريانها إلى الترخيص عمليّا في المخالفة القطعيّة ، فإنّ جريان الأصول في المقام لا يؤدّي إلى ذلك ؛ لأنّ المكلّف لا تمكّنه المخالفة القطعيّة للعلم الإجمالي المذكور ، إذ في حالة الإتيان بالشيء المردّد بين الجزء والمانع يحتمل الموافقة ، وفي حالة تركه يحتملها أيضا ، فلا يلزم من جريان الأصلين معا ترخيص في المخالفة القطعيّة.
فإن قيل : ألا تحصل المخالفة القطعيّة لو ترك المركّب رأسا؟
قلنا : نعم تحصل ، ولكن هذا ممّا لا إذن فيه من قبل الأصلين حتّى لو جريا معا.
قد يقال : إنّ حكم هذه المسألة هو التخيير لا الاحتياط بتكرار العمل.
والوجه في ذلك : أنّ العلم الإجمالي المذكور وإن كان دائرا بين المتباينين إلا أنّه في الدقّة دائر بين المحذورين ، وقد تقدّم أنّه في موارد الدوران بين المحذورين لا مانع من جريان البراءة عنهما ؛ لأنّه لن يؤدّي إلى الوقوع في المخالفة القطعيّة.
__________________
(١) فوائد الأصول ٤ : ٢٦ ـ ٢٧.