الفطرة وسبق إلى الإيمان والهجرة ، ولم يعلل بآحاد هذا المجموع . ومراده هنا بالولادة على الفطرة أنه لم يولد في الجاهلية لأنه ولد لثلاثين عاماً مضت من عام الفيل ، والنبي أرسل لأربعين مضت من عام الفيل ، وقد جاء في الأخبار الصحيحة أنه مكث قبل الرسالة سنين عشراً يسمع الصوت ويرى الضوء ولا يخاطبه أحد ، وكان ذلك إرهاصاً لرسالته ، فحكم تلك السنين العشر حكم أيام رسالته صلىاللهعليهوآله فالمولود فيها إذا كان في حجره وهو المتولي لتربيته مولود في أيام كأيام النبوة ، وليس بمولود في جاهلية محضة ، ففارقت حاله حال من يدعى له من الصحابة مماثلته في الفضل .
وقد روي أن السنة التي ولد فيها هذه السنة التي بدئ فيها رسول الله صلىاللهعليهوآله فأسمع الهتاف من الأحجار والأشجار وكشف عن بصره ، فشاهد أنواراً وأشخاصاً ولم يخاطب منها بشئ ، وهذه السنة هي السنة التي ابتدأ فيها بالتبتل والإنقطاع والعزلة في جبل حراء ، فلم يزل به حتى كوشف بالرسالة وأنزل عليه الوحي ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يتيمن بتلك السنة وبولادة علي عليهالسلام فيها ، ويسميها سنة الخير وسنة البركة ، وقال لأهله ليلة ولادته وفيها شاهد ما شاهد من الكرامات والقدرة الإلۤهية ولم يكن من قبلها شاهد من ذلك شيئاً : لقد ولد لنا مولود يفتح الله علينا به أبواباً كثيرة من النعمة والرحمة . وكان كما قال صلوات الله عليه ، فإنه كان ناصره والمحامي عنه وكاشف الغم عن وجهه ، وبسيفه ثبت دين الإسلام ورست دعائمه وتمهدت قواعده .
وفي المسألة تفصيل
آخر ، وهو أن يعني بقوله : فإني ولدت على الفطرة التي لم تتغير ولم تحل ، وذلك أن معنى قول النبي صلىاللهعليهوآله : كل مولود يولد على الفطرة ، أن كل مولود فإن الله تعالى قد هيأه بالعقل الذي خلقه فيه وبصحة الحواس والمشاعر لأن يتعلم التوحيد والعدل ، ولم يجعل فيه مانعاً يمنعه من ذلك ، ولكن التربية والعقيدة
في الوالدين والألف لاعتقادهما وحسن الظن فيهما يصده عما فطر عليه ، وأمير المؤمنين عليهالسلام دون غيره ولد على الفطرة التي لم تحل ،
ولم يصد عن مقتضاها مانع ،