بما علمتم لعلكم تهتدون إن العالم العامل بغيره كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق عن جهله بل قد رأيت أن الحجة عليه أعظم والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه منها على هذا الجاهل المتحير في جهله وكلاهما حائر بائر لا ترتابوا فتشكوا ولا تشكوا فتكفروا ولا ترخصوا لأنفسكم فتدهنوا ولا تدهنوا في الحق
______________________________________________________
قوله عليهالسلام : العامل بغيره : أي بغير العلم أو بغير ما علم وجوب العمل به من الأعمال ، والباء صلة والحائر هو الذي لا يهتدي لجهة أمره ، والاستفاقة الرجوع إلى ما شغل عنه وشاع استعماله في الرجوع عن السقم إلى الصحة ، ومنه استفاقة المريض والمجنون والمغمى عليه ، وفيه إشعار بأن الجهل كالجنون والسكر والمرض.
قوله عليهالسلام والحسرة أدوم : مبتدأ وخبر ويحتمل أن يكون عطفا على قوله الحجة عليه أعظم ، ويكون قوله هذا العالم بدلا من قوله عليه ، والضمير في منها راجعا إلى الحجة والحسرة جميعا باعتبار كل واحدة منهما ، والأول أولى ، والبائر الهالك.
قوله عليهالسلام لا ترتابوا : أي لا تمكنوا الريب والشك من قلوبكم ، بل ادفعوه عن أنفسكم لكيلا تعتادوا به وتصيروا من أهل الشك والوسواس ، فتكونوا من الكافرين ، والحاصل النهي عن التفكر في الشكوك والشبهات فإنها توهن اليقين وينتهي إلى حد الشك ، قال بعض الأفاضل : الريب مصدر رابني الشيء إذا حصل فيك الريبة وحقيقة الريبة فلق النفس واضطرابها ، والارتياب الوصول إلى الريبة والوقوع فيها ، وليس الريب في هذا الحديث مستعملا في الشك أو التهمة أو غيرهما من لوازم معناه الأصلي أو ملزوماته التي شاع استعماله فيها ، والمراد لا توقعوا أنفسكم في القلق والاضطراب بالتوغل في الشبهات ، أو بمعارضة العلم في مقتضاه من العمل فينتهي أمركم إلى أن تشكوا في المعلوم ، والمتيقن لكم ، وقوله : لا تشكوا أي لا توقعوا أنفسكم في الشك واحذروا من طريانه على العلم فيوصلكم إلى الكفر وينتهي إلى الشك فيما يكون الشك فيه كفرا.
قوله عليهالسلام ولا ترخصوا لأنفسكم : أي لا تسهلوا لأنفسكم أمر الإطاعة والعصيان