حفظ الرواية فراع يرعى حياته وراع يرعى هلكته فعند ذلك اختلف الراعيان
______________________________________________________
قرأها يخزيهم من الخزي أي يصير هذا العلم سببا لخزيهم في الدارين ، وقيل : يحتمل أن يكون المراد بالعلماء أهل بيت النبوة سلام الله عليهم ، ومن يحذو حذوهم ممن تعلم منهم ، ويكون المراد أنهم عليهالسلام يحزنهم ترك رعاية القرآن من التاركين لها ، الحافظين للحروف فإنهم لو رعوه لاهتدوا به ، وأقروا بالحق ، والجهال وهم الذين لم ينتفعوا من القرآن بشيء لا رواية ولا دراية ويحزنهم حفظ الرواية من الحافظين لها التاركين للرعاية لما رأوا أنفسهم قاصرين عن رتبة أولئك ، ويحسبون أنهم على شيء وأنهم مهتدون ، فتغبطهم نفوسهم ، ويؤيد هذا المعنى ما يأتي في الروضة من قول أبي جعفر عليهالسلام في رسالته إلى سعد الخير ، وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده ، فهم يروونه ولا يرعونه ، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية ، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية ، فإن في قوله عليهالسلام : يعجبهم هناك بدل يحزنهم هنا ، دلالة على ما قلنا ، ويحتمل أن يكون المراد بالجهال هناك الحافظين للحروف فإنهم جهال في الحقيقة ، ولا يجوز إرادته هيهنا لأنه لا يلائم الحزن « انتهى » والأظهر أن المراد بالعلماء الذين يستحقون هذا الاسم على الحقيقة ، وهم الذين يتعلمون لوجه الله تعالى ويعملون به ، وبالجهال الذين يطلبون العلم للأغراض الدنية الدنيوية ولا يعملون به ، كما مر بيان حالهم ، فالعلماء الربانيون يحزنون إذا فاتهم رعاية الكتاب والعمل به لفوت مقصودهم ، وغيرهم من علماء السوء لا يحزنون بترك الرعاية ، إذ مقصودهم حفظ الرواية فقط ، وقد تيسر لهم ، لكن ذلك يصير سببا لحزنهم في الدنيا لأن الله تعالى يذلهم ويسلب عنهم علمهم ، ويكلهم إلى أنفسهم ، وفي الآخرة للحسرات التي تلحقهم لفوت ما هو ثمرة العلم والمقصود منه.
والحاصل أن مطلوب العلماء ما هو تركه يوجب حزنهم ومطلوب الجهال ما هو فعله يورث حزنهم وخزيهم ، ولا يبعد أن يكون الترك في قوله ترك الرعاية زيد من النساخ ، فتكون الفقرتان على نسق واحد ، ويؤيده ما رواه ابن إدريس في كتاب