شاء بمشيئته لا يحد ولا يبعض ولا يفنى كان أولا بلا كيف ويكون آخرا بلا أين و ( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) ويلك أيها السائل إن ربي لا تغشاه الأوهام ولا تنزل به الشبهات.
______________________________________________________
لذاته ، لا بكون الأشياء وسلطنته عليها ، ثم لما أثبت عليهالسلام توحيد ذاته ونفي الزائد من العلم والقدرة وغيرهما أمكن أن يتوهم أن صدور الأشياء عنه يكون على وجه الإيجاب كفعل الطبائع العديمة الشعور ، فأزال ذلك التوهم بأن إيجاد كل ما شاء في وقته الخاص بمحض مشيته وعلمه الذي هو عين ذاته ، ثم رجع إلى نفي المثالب عنه تأكيدا لما سبق وتوضيحا ، فقال : « ولا يحد » لأن الحد إنما يكون لما له جزء فيحد بأجزائه وليس هو كذلك ولذا قال عقيبه « ولا يبعض » أي لا في الخارج ولا بحسب الذهن « ولا يفنى » لمنافاته وجوب الوجود « كان أولا بلا كيف » أي مبدءا موجدا للكل لا بقدرة وعلم يعدان من الكيف ، ولا بغير هما من الكيفيات ، بل بذاته وصفاته الذاتية « ويكون آخرا » أي باقيا مع ما عداه من الأواخر وبعد فناء ما يفنى منها « بلا أين » أي بلا كونه كونا ماديا زمانيا فلا يكون آخرا بالحدوث على حال أو بالزمان ، بدخوله تحت الزمان ، ويحتمل أن يكون المراد بالأول المبدأ الفاعل وبالآخر الغاية ، فإنه فاعل الكل بلا كيف ، وغاية الكل حتى الماديات بلا مقارنة مادة والتأين بأين كما قيل ، ( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) أي يفنى جميع الأشياء قبل القيامة إلا ذاته تعالى كما ورد في الأخبار ، أو كل شيء في معرض الفناء والعدم لا مكانه إلا الواجب الوجود بالذات أو كل جهات الأشياء جهات الفناء إلا جهتها التي بها ينتسب إليه تعالى ، فإنه علتها ووجودها وبقاءها بتلك الجهة ( لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) : قيل المراد بالخلق عالم الأجسام والماديات أو الموجودات العينية ، وبالأمر عالم المجردات أو الموجودات العلمية ، ويمكن أن يكون المراد بالأول خلق الممكنات مطلقا ، وبالثاني الأمر التكليفي أو الأعم منه ومن التكويني ، وهذا أنسب بعرف الأخبار « ولا تغشاه الأوهام » أي لا تحيط به ولا تدركه ، وليس علمه بالأشياء بالتوهم « ولا تنزل به الشبهات » أي ليس في أمره من وجوده وكمالاته شبهة لوضوح الأمر أو ليس علمه بالشبهات و