بعث الله نبيه صلىاللهعليهوآله والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة حتى يعود
______________________________________________________
على الهدى ويسلك بكم طريق الاستقامة طوعا وكرها كما كنتم حين بعث نبيكم صلىاللهعليهوآله كذلك.
« لتبلبلن بلبلة » بلبلة الصدر وسواسه ، والبلابل هي الهموم والأحزان قال في النهاية : البلابل الهموم والغموم والبلبلة أيضا اختلاط الألسنة وتفرق الآراء ، والظاهر أنه إشارة إلى ما عرض لهم من تشتت الآراء والوساوس الشيطانية في قتال أهل القبلة ، لا سيما طلحة والزبير وعائشة وغير ذلك من الأمور الحقة التي كان يصعب على الناس قبولها ، وما وقع في صفين بينهم من الاختلاف بعد رفع المصاحف.
وقيل : أشار به إلى ما يوقع بهم بنو أمية وغيرهم ، والخوارج وأمراء الجور من القتل والأذى ، وما عرض لهم من الهموم والأحزان ، وبلبلة الصدر وسوسته ومنه حديث علي عليهالسلام : لتبلبلن ، إلخ.
« ولتغربلن غربلة » غربلت الدقيق وغيره بالغربال بالكسر أي نخلته حتى يتميز الجيد من الرديء ، وغربلت اللحم قطعته ، وقيل : الغربلة القتل ، والمغربل المقتول المنتفخ ، والأظهر هو المعنى الأول ، أي لتميزن بالفتن التي ترد عليكم حتى يتميز خياركم من شراركم كما يميز الجيد من الرديء في الغربال ، وفيه إشارة إلى حكمة تلك الفتن كما قال تعالى : « أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ » (١).
أو يكون كناية عن اختلاطهم واضطرابهم بالفتن كما يختلط ما في الغربال بعضه ببعض ، فيكون تأكيدا للفقرة السابقة والأول أظهر ، وقيل : أي تذهب خياركم وتبقى أراذلكم وشراركم وهو باعث تسلط الظالمين كملوك بني أمية وبني العباس
__________________
(١) سورة العنكبوت : ٢ ـ ٣.