البتوت قد انتهكتهم العبادة قال فو الله لأنساني ما كنت فيه من حسن هيئة القوم فلما دخلت عليه قال لي أراني قد شققت عليك قلت أجل والله لقد أنساني ما كنت فيه قوم مروا بي لم أر قوما أحسن هيئة منهم في زي رجل واحد كأن ألوانهم الجراد الصفر قد انتهكتهم العبادة فقال يا سعد رأيتهم قلت نعم قال أولئك إخوانك من الجن قال فقلت يأتونك قال نعم يأتونا يسألونا عن معالم دينهم
______________________________________________________
الظاهر أن مراده أن خروجهم كان على فجأة بدون اطلاع مني عليه قبله ، أو حدث ذلك بعد يأسى من الدخول دفعة بلا مهلة ، وقيل : أن مصدرية فاعل لبث ، أي كان خروجهم بدون تراخي بعضهم من بعض فكأنهم خرجوا دفعة ، والجراد اسم جنس جرادة أقيم مقام الجمع بقرينة الصفر ، وفي سورة القمر : « كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ » (١).
وقال الجوهري : البت الطيلسان من خز ونحوه والجمع البتوت ، وفي القاموس نهكه كمنعه غلبه ، والثوب لبسه حتى خلق نهكا ونهكا ونهاكة ، والضرع نهكا استوفي جميع ما فيه ، والحمى أضنته وهزلته وجهدته كنهكته كفرح وانتهكته ، انتهى.
وكان فاعل أنساني الضمير الراجع إلى أن خرج ومفعوله : ما كنت فيه ، أي المشقة الحاصلة من حرارة الشمس وتتبع الأفياء ومن للتعليل.
ويحتمل أن يكون من للتبعيض والظرف فاعلا لأنساني ، أي شيء من حسن هيئتهم « قد شققت عليك » أي أوقعتك في المشقة « أجل » بالتحريك أي نعم « في زي رجل واحد » في الصحاح : الزي اللباس والهيئة وأصله زوي ، أي كان جميعهم على هيئة واحدة أو كانوا لاجتماعهم على طريقة واحدة كأنهم رجل واحد كما قيل ، والأول أظهر.
« كان ألوانهم الجراد » أي ألوان الجراد ، وقيل الألوان الأنواع والمراد هنا الشركاء في تمام الحقيقة النوعية وهو بعيد « رأيتهم » استفهام تقريري « إخوانك » أي أهل دينك « عن معالم دينهم » أي ما يعلمون به دينهم.
ويدل على أن الجن يمكن للناس رؤيتهم حتى لغير الأنبياء والأوصياء عليهمالسلام
__________________
(١) الآية : ٧.