بينهما فما ظنكم بسائر الخلق إن علم العلماء صعب مستصعب لا يحتمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان فقال وإنما صار سلمان
______________________________________________________
فيقتلونه.
ويأبى عنه ما رواه الكشي بإسناده عن جابر عن أبي جعفر عليهالسلام قال : دخل أبو ذر على سلمان وهو يطبخ قدرا له ، فبينا هما يتحدثان إذا انكبت القدر على وجهها على الأرض فلم يسقط من مرقها ولا من ودكها فعجب من ذلك أبو ذر عجبا شديدا وأخذ سلمان القدر فوضعها على حالها الأول على النار ثانية ، وأقبلا يتحدثان فبينا هما يتحدثان إذا انكبت القدر على وجهها فلم يسقط منها شيء من مرقها ولا ودكها (١) ، قال : فخرج أبو ذر وهو مذعور من عند سلمان ، فبينما هو متفكر إذ لقي أمير المؤمنين عليهالسلام على الباب فلما أن بصر به أمير المؤمنين قال له : يا با ذر ما الذي أخرجك من عند سلمان؟ وما الذي ذعرك؟ فقال أبو ذر : يا أمير المؤمنين رأيت سلمان صنع كذا وكذا فعجبت من ذلك! فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : يا أبا ذر إن سلمان لو حدثك بما يعلم لقلت رحم الله قاتل سلمان ، إن سلمان باب الله في الأرض : من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ، وإن سلمان منا أهل البيت.
وروى خطبة لسلمان رضياللهعنه قال فيها : فقد أوتيت العلم كثيرا ، ولو أخبرتكم بكل ما أعلم لقالت طائفة لمجنون ، وقالت طائفة أخرى اللهم اغفر لقاتل سلمان.
أقول : فظهر أن المعنى هو ما ذكرنا أولا ، وقد قيل : وذلك لأن مكنون العلم عزيز المنال دقيق المدرك ، صعب الوصول يقصر عن وصوله الفحول من العلماء ، فضلا عن الضعفاء ، ولهذا إنما يخاطب الجمهور بظواهر الشرع ومجملاته دون إسراره وأغواره لقصور إفهامهم عن إدراكها ، وضيق حواصلهم عن احتمالها ، إذ لا يسعهم الجمع بين الظاهر والباطن ، فيظنون تخالفهما وتنافيهما ، فينكرون فيقتلون ، انتهى.
وأقول : بل الظاهر أن كلا من الخلق لا سيما المقربين يحتمل علما لا يحتمله
__________________
(١) الودك : الدسم والشحم.