شئ فكرهت أن تكذب فقل إن الله ليعلم ما قلت من ذلك من شئ ، فيكون قوله «ما» حرف النفي عند المستمع وعنده للابهام.
وكان النخعي لا يقول لابنته أشتري لك سكرا بل يقول أرايت لو اشتريت سكرا فانه ربما لا يتفق وكان إبراهيم إذا طلبه في الدار من يكرهه قال للجارية : قولي له اطلبه في المسجد ، وكان لا يقول ليس ههنا لئلا يكون كاذبا ، وكان الشعبي إذا طلب في البيت وهو يكرهه فيخط دائرة ويقول للجارية ضع الاصبع فيها وقولي ليس ههنا.
وهذا كله في موضع الحاجة فأما مع عدم الحاجة فلا ، لان هذا تفهيم للكذب ، وإن لم يكن اللفظ كذبا ، وهو مكروه على الجملة ، كما روي عن عبدالله ابن عتبة قال : دخلت مع أبي على عمر بن عبدالعزيز فخرجت وعلي ثوب فجعل الناس يقولون : هذا كساء أميرالمؤمنين! فكنت أقول جزى الله أميرالمؤمنين خيرا ، فقال لي يا بني اتق الكذب إياك والكذب وما أشبه فنهاه عن ذلك لان فيه تقريرا لهم على ظن كاذب لاجل غرض المفاخرة. وهو غرض باطل ، فلا فائدة فيه.
نعم المعاريض مباح لغرض خفيف كتطييب قلب الغير بالمزاح كقوله صلىاللهعليهوآله لا تدخل الجنة عجوز ، وفي عين زوجك بياض ، ونحملك على ولد البعير. وأما الكذب الصريح فكما يعتاده الناس من مداعبة الحمقى بتغريرهم بأن امرأة قد رغبت في تزويجك ، فان كان فيه ضرر يؤديه إلى إيذاء قلب فهو حرام ، وإن لم يكن إلا مطايبة فلا يوصف صاحبها بالفسق ، ولكن ينقص ذلك من درجة إيمانه ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لا يستكمل المرء الايمان حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه وحتى يجتنب الكذب في مزاحه.
وأما قوله صلىاللهعليهوآله إن الرجل يتكلم بالكلمة يضحك بها الناس يهوي بها أبعد من الثريا أراد به ما فيه غيبة مسلم أو إيذاء قلب ، دون محض المزاح.
ومن الكذب الذي لا يوجب الفسق ما جرت به العادة في المبالغة كقوله قلت