فإنّ ابن عباس في كلّ ما أخذ من تفسير القرآن أخذه من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كما مرّ ذلك عنه ، وقبل ذلك كان حفظه المحكم على عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فمن حفظ وتعلم ذلك كما أنزله الله سبحانه على نبيه فأخذه عنه وعن وصيّه ، كيف يحيد في قراءته عما علمه وتعلّمه؟ ثمّ إنّ قراءة زيد الخاصة كانت مفضولة عند ابن عباس فيما روى أبو ظبيان عنه ، قال : ( قال ابن عباس : أيّ القرآتين تعدّون أوّل؟ قلنا : قراءة عبد الله ، قال : لا إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض عليه القرآن في كلّ رمضان مرّة إلاّ العام الذي قبض فيه ، فإنّه عُرِضَ عليه مرتين يحضره عبد الله فشهد ما نسخ منه وما بدّل ، وإنّما شقّ ذلك على ابن مسعود ، لأنَه عُدِلَ عنه مع فضله وسنّه ، وفُوِّضَ ذلك إلى من هو بمنزلة ابنه ) (١).
وبين يدي الآن ( معجم القراءات القرآنية ) ، فراجعت المجلد الأوّل منه فأحصيت على عجل ، فما وجدته فيه من موارد إختلاف قراءة ابن عباس مع قراءة زيد بن ثابت ، فبلغت ( ٦٧ ) مورداً ، وربما فاتني بعضها هذا كلّه في المجلد الأوّل وهو لم يتجاوز سورة البقرة ، فما ظنك بباقي موارد الإختلاف بين القراءتين إلى آخر سور القرآن المجيد!
فمن هذا كلّه تبيّن لنا أنّه لم يثبت ما يوثّق أخذ ابن عباس من زيد شيئاً.
إذن كيف زعم الزاعمون من أولياء زيد أنّ ابن عباس أخذ عنه وقرأ
____________________
(١) كنز العمال ٢ / ٣٨٩ ط حيدر آباد الثانية.