فقلت : قال الفتى : يا أيوب أمّا كان في عظمة الله وذكر الموت ما يكلّ لسانك ، ويقطع قلبك ، ويكسر حجّتك؟ يا أيوب أما علمت أنّ لله عباداً أسكنتهم خشية الله من غير عيّ ولا بكم ، وإنّهم هم النبلاء الفصحاء الطلقاء الألبّاء ، العالمون بالله وآياته ، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت قلوبهم وكلّت ألسنتهم ، وطاشت عقولهم وأخلاقهم فرَقَا من الله وهيبة له ، وإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله عزوجل بالأعمال الزاكية ، لا يستكثرون لله الكثير ، ولا يرضون له بالقليل ، يعدّون أنفسهم مع الظالمين الخاطئين ، وإنّهم لأنزاه أبرار ، ومع المضيّعين المفرّطين وإنّهم لأكياس أقوياء ناحلون دائبون ، يراهم الجاهل فيقول مرضى وليسوا بمرضى ، قد خولطوا وقد خالط القوم أمر عظيم ) (١). وزاد في ( المعرفة ) : ( ثمّ قال ابن عباس على أثر كلام وهب : وكفى بك ظالماً أن لا تزال مخاصماً ، وكفى بك آثماً أن لا تزال ممارياً ، وكفى بك كاذباً أن لا تزال محدّثاً في غير ذات الله عزوجل ) (٢).
وهذا الذي مرّ ذكره من الخطيب في المتفق والمفترق عن وهب بن منبه قال : أقبلت مع عكرمة أقود ابن عباس رضي الله عنه بعد ما ذهب بصره ، حتّى دخل المسجد الحرام ، فإذا قوم يمترون في حلقة لهم عند باب بني شيبة ، فقال : أَمِل بي إلى حلقة المراء ، فانطلقت به حتّى أتاهم فسلّم عليهم ، فأرادوه على
____________________
(١) أخلاق العلماء لأبي بكر الآجري ص٨٤ ـ ٨٦ ط دمشق سنة ١٣٩٢ هـ ١٩٧٢م.
(٢) البسوي في المعرفة والتاريخ ١ / ٥٢٤ ـ ٥٢٦.