لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم أوّل ينبوع ثرّ من ينابيع الحكمة نهل منه ابن عباس العلم ، وأصفى مورد من موارد المعرفة ، ورده حبر الأمة ، فاستقى منه جليل معارفه ، وتلقى من فَلَق فيه ، المحكم من كتاب الله تعالى ، وما كان تلقيه مجرد حفظ سور وآيات عن ظهر قلب ، بل كان يتلقى التأويل مع التنزيل ، فحفظ المحكم وهو ابن عشر سنين كما كان يتحدث عن ذلك باعتزاز بالغ (١) كما سمع الحديث الشريف من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فحفظ منه ما وسعه حفظه ، ورأى كثيراً من أفعاله وتقريره ما أكمل عنده ركائز السنة النبوية قولاً وعملاً وتقريراً ، وقد مرّت شواهد على ذلك ، ونظراً لقصر الفترة زماناً وكثرة المروي عن ابن عباس ممّا لا يتناسب في سماعه كلّ ذلك في فترة لم تبلغ ثلاث سنين ، وقد حدّدها الذهبي فقال : ( صحب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نحواً من ثلاثين شهراً ، وحدث عنه بجملة صالحة ) (٢) ، ولمّا كان الحديث عن تلك الفترة قد مرّ في الجزء الأوّل من الحلقة الأولى (٣) ، سوى ما ورد من الوقوف عند الأحداث الثلاثة التي تميّزت عن غيرها ممّا رآه وسمعه ابن عباس ، وهي : حجة الوداع ، وبيعة الغدير ، وحديث الكتف والدواة ، وسمّيته
____________________
(١) موسوعة فقه عبد الله بن عباس / ٨ ـ ٩.
(٢) موسوعة فقه عبد الله بن عباس / ٨ ـ ٩ نقلاً عن تهذيب التهذيب ٥ / ٢٧٩.
(٣) موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ١ / ١٨١ ـ ٢٠١ ، ٢٠٩ ـ ٢٢٠.