لماذا يوصي الرسول ؟
حقاً لماذا يوصي الرسول وقد ترك لأُمّته القرآن ؟ ألا يكفى أن يرجع المسلمون إلى القرآن الكريم ويهتدوا بهديه ويحتكموا إلى آياته ؟ لماذا كل هذا الإصرار على الوصية وأهميتها ؟
نعرف مسبقاً أنّ القرآن الكريم نزل في ثلاث وعشرين سنة ، وكان بتعاليمه السامية ذا أثرٍ بالغ في تهذيب متّبعيه وحملهم على الجادة السوية ، فكيف أنّ وصية قد لا تتجاوز الصفحة أو الصفحات ، أو لنقل كلمات قلائل ، قادرة علىٰ صيانة وحفظ مستقبل الأُمّة ؟
ما أهمية تلك الكلمات مقابل قرآن يتلى ليلاً ونهاراً ، وقد ملأ الأرض بأتباعه وحفّاظه ؟
لا يستطيع أحد ـ أيّاً كان ـ أن ينكر أهمية القرآن ودوره الفاعل في إغناء المسلمين بالمُثُل والقيم الصالحة لحياتهم ، وأين الذي يتجرأ ويمحو الأثر الوضّاء لمسيرة أُمّة عبر قرون مديدة وهي تستضيئ بآيات الوحي وتستلهم من أنواره وإشعاعاته ؟
والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أول من علم هذا الكلام ، وأول من أدرك أهميته وفائدته ، كيف لا وقد تلىٰ عليهم آياته وقرأ عليهم ( الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) (١) وقرأ عليهم ( الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) (٢) وقرأ
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢.
(٢) سورة إبراهيم : ١٤ / ١.