وقفة مع المعذِّرين لعمر بن الخطَّاب (١)
قالوا : لعلَّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حين أمرهم بإحضار الدواة لم يكن قاصداً لكتابة شيءٍ من الأشياء ، وإنَّما أراد مجرَّد اختبارهم لا غير.
فنقول : إنَّ هذه الواقعة إنَّما كانت حال احتضاره ـ بأبي هو وأُمِّي ـ كما هو صريح الحديث ، فالوقت لم يكن وقت اختبار ، وإنَّما كان وقت إعذار وإنذار ، ووصيَّة بكلِّ مهمَّة ، ونصح تامٍّ للأُمَّة ، والمحتضر بعيدٌ عن الهزل والمفاكهة ، مشغول بنفسه وبمهمَّاته ومهمَّات ذويه ، ولا سيَّما إذا كان نبيَّاً.
وإذا كانت صحَّته مدَّة حياته كلِّها لم تسع اختبارهم ، فكيف يسعها وقت احتضاره ، علىٰ أنَّ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ حين أكثروا اللغو واللغط والاختلاف عنده ـ : « قوموا » ، ظاهر في استيائه منهم ، ولو كان الممانعون مصيبين لاستحسن ممانعتهم ، وأظهر الارتياح إليها ، ومن ألمَّ بأطراف هذا الحديث ولا سيَّما قولهم : هجر رسول الله ، يقطع بأنَّهم كانوا عالمين أنَّه إنَّما يريد أمراً يكرهونه ، ولذا فاجأوه بتلك الكلمة ، وأكثروا عنده اللغو واللغط والاختلاف كما لا يخفى ، وبكاء ابن عباس بعد ذلك لهذه الحادثة ، وعدّها رزيةً ، دليل علىٰ بطلان هذا الجواب.
وقالوا : إنَّ عمر كان موفَّقاً للصواب في إدراك المصالح ، وكان صاحب إلهام من الله تعالىٰ.
__________________
(١) استفدناه من كتاب المراجعات للإمام السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي ، المراجعة (٨٨).