ومنه يظهر الحال فيما يكون مسبوقاً به ، فإنّا قبل طروّ الاشتباه وإن كنّا عالمين تفصيلاً بكذب هذه الرواية ، فلا تكون مشمولة لدليل الحجّية ، وتلك الأُخرى لا نعلم بكذبها ، فنعلم تفصيلاً بحجّيتها ، إلاّ أنّهما بعد طروّ الاشتباه عليهما لا يكون ذلك الاشتباه إلاّمن قبيل اشتباه ما كانت معلومة الكذب بما لم تكن كذلك ، وبواسطة هذا الاشتباه لا يحصل لنا إلاّ احتمال الكذب في كلّ منهما ، وحينئذ يكون كلّ منهما محتمل الكذب ، فيشمله دليل الحجّية ، فيكون كلّ منهما في حدّ نفسه مشمولاً لدليل الحجّية ويقع التعارض بينهما. هذا كلّه بناءً على أنّ الحجّية لا تتحمّل وجوداً واقعياً حتّى في مورد العلم الاجمالي ، وأنّ الحجّة لا تكون حجّة إلاّفي مورد العلم التفصيلي بها.
أمّا لو قلنا ـ كما هو غير بعيد ـ بأنّ الحجّية وإن لم تتحمّل الوجود الواقعي إلاّ أنّها في مورد العلم الاجمالي تكون متحقّقة ، كما لو كان المكلّف قد حفظ متنين يتضمّن ظهور كلّ منهما حكماً شرعياً ، وحصل له العلم الاجمالي بأنّه قد أخذ بنفسه أحد المتنين وسمعه من نفس الإمام عليهالسلام ، والآخر أخذه وسمعه عن غيره كأبي حنيفة ـ مثلاً ـ وقد اشتبها عليه ، فإنّه لا يشكّ أحد بأنّ ظاهر أحد هذين المتنين حجّة عليه وأنّه يلزمه ترتيب الأثر عليه ، وحينئذ يكون ذلك من قبيل اشتباه الحجّة الفعلية باللاّحجّة ، ومثل ذلك ما لو علم بحجّية إحدى الأمارتين ، وقد ذكر نظير ذلك في بحث الانسداد ، وهو العلم الاجمالي بأنّ في جملة هذه الطرق العقلائية التي بأيدينا ما هو حجّة مجعولة من الشارع.
وبناءً على ذلك نقول : إنّ الصورة السابقة وهي صورة روايتي أبي بصير المعلوم كونه هو الثقة في إحداهما وغيره في الأُخرى ، يكون من قبيل اشتباه الحجّة الفعلية باللاّحجّة ، سواء كان الاشتباه مسبوقاً بالعلم التفصيلي أو لم يكن