وعلى كلّ حال ، سواء نزّلنا مورد الرواية على قضاء التحكيم أو على الرجوع إليهما في بيان الفتوى ، لم يكن إشكال في لزوم تقديم ما أمر به الأعلم منهما ، سواء كان بنحو الفتوى أو كان بنحو الحكم.
أمّا الأوّل فواضح ، فإنّ المكلّف وإن كان مخيّراً في تقليد كلّ منهما ، إلاّ أنّه لمّا كان المقام مقام خصومة لم يكن فيه مجال للتخيير في التقليد ، لأنّ كلاً منهما يختار تقليد من فتواه على رغبته.
وأمّا الثاني فلما عرفت من أنّ النزاع في الشبهة الحكمية ، وفي مثله يتعيّن حكم الأعلم حتّى لو سبقه حكم غير الأعلم ، على تأمّل في ذلك ، نعم مع فرض تساويهما من حيث الأعلمية ينبغي أن يكون النافذ هو السابق ، ومع عدم السبق يسقطان ، ولعلّ ما أمر به عليهالسلام من الرجوع إلى المرجّحات ناظر إلى صورة الاقتران.
وعلى كلّ حال ، إنّ الظاهر من الرواية هو أنّ الترجيح الأوّل كان لأحد الحكمين أو الفتويين على الآخر ، ومع التساوي لابدّ من قطع الخصومة بغيرهما ، وحينئذ كأنّ الإمام عليهالسلام نظر إلى لزوم إعمال الاجتهاد بعد ذلك بترجيح إحدى الروايتين على الأُخرى ، ومع التساوي من الجهات الآتية لا ينفتح باب الاجتهاد في المسألة ، ويتعيّن الارجاء والتوقّف في الفتوى على طبق إحدى الروايتين ، ويكون الحال كما لو اتّفق التنازع على الحبوة مثلاً من ناحية الشبهة الحكمية واتّفق أنّ المجتهد الذي تخاصما إليه لم يرجّح ما دلّ على عدمها على ما دلّ على ثبوتها ولا العكس ، فإنّه يرجع في فصل الخصومة بينهما إلى الطرق الأُخر بفرض عدم وجود هاتين الروايتين.
وعليه فصدر الرواية ليس في مقام الترجيح بين الروايتين ، بل هو في مقام ترجيح إحدى الفتويين أو الحكمين على الآخر ، ولعلّها من هذه الجهة من أقوى