على أنّ المراد من عدم العمل هو عدم الفتوى ، وحينئذ يكون المراد من فرض السائل أنّه لابدّ لنا من العمل هو كون المسألة من قبيل النزاع في الميراث ونحوه من موارد الشبهات الحكمية المتعلّقة بحقوق الناس في مورد التخاصم.
ولكن مع ذلك لا يكون هذا الفرض مصداقاً لكونه لابدّ من العمل بواحد منهما ، لإمكان طرحهما والرجوع في مورد المسألة إلى ما تقتضيه القواعد الأُخر ، ولعلّه فرض تسامحي ، ولذلك اكتفى السائل بما أجابه الإمام عليهالسلام بقوله : « خذ بما خالف العامّة » وإلاّ فلو لم يكن في البين هذا المرجّح فماذا يعمل هذا السائل فيما فرضه من أنّه لابدّ من العمل بواحد منهما.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ فرض المسألة هو ما لو كان قد ابتلي بمثل هاتين الروايتين قبل حضور وقت العمل ، بأن ترد إحدى الروايتين بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال والأُخرى بحرمته ، وذلك في أواسط الشهر مثلاً ، ويكون محصّل الأمر بعدم العمل حتّى يلقاه هو لزوم ملاقاته عليهالسلام قبل حضور وقت العمل ، ويكون محصّل الجواب أنّه قد حضر وقت العمل فلا يمكننا التأخير ، لكن هذا فرض بعيد.
بل يمكن أن يقال : إنّ قوله عليهالسلام في رواية الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليهالسلام : « إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة ، فموسّع عليك حتّى ترى القائم عليهالسلام فترد إليه » (١) المراد من التوسعة هو التوسعة من ناحية الخبرين ، بمعنى عدم لزوم الأخذ بواحد منهما حتّى يرى القائم عليهالسلام فيردهما إليه ، فإنّ ردّهما إليه عليهالسلام كناية عن عدم الأخذ بواحد منهما قبل لقائه ، بل هو في سعة منهما بحيث إنّهما حينئذ في حكم العدم ، وهو عبارة أُخرى عن التساقط والرجوع في
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٢٢ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ٤١.