واضحة الفساد (١) لا ينافي أيضاً ما حرّرناه ، فإنّه لو سلّمنا أنّ المراد من البيان هو البيان في مقام التخاطب ، وهذا المتأخّر وإن لم يمكن أن يكون بياناً في مقام التخاطب ، فلا يكون هادماً للمقدّمة الثانية ، إلاّ أنّه بأصالة الظهور يكشف عن أنّ مراد المتكلّم من العالم هو غير الفاسق ، فيهدم المقدّمة الأُولى ، من دون صلاحية للمطلق الشمولي أن يعارضه لكونه رافعاً لموضوعه.
ولا يخفى أنّ هذا الذي نقله شيخنا قدسسره هو عين مطلبه في الكفاية في باب التعادل والتراجيح ، فإنّه بعد أن ذكر الوجه في تقديم العام الأُصولي على المطلق ، بكون ظهور العام تنجيزياً ، وظهور الاطلاق معلّقاً على عدم البيان والعام يصلح للبيانية ، قال ما نصّه : وفيه أنّ عدم البيان الذي هو جزء المقتضي في مقدّمات الحكمة إنّما هو عدم البيان في مقام التخاطب لا إلى الأبد (٢).
وهذا الكلام منه قدسسره وإن كان منافياً لما نقله عنه شيخنا قدسسره في فوائده ممّا ظاهره توسعة البيان للبيان المنفصل ولو متأخّراً ، إلاّ أنّك قد عرفت أنّ ردّه لا يتوقّف على تفسير البيان بالبيان الواقعي ، لما عرفت من حكومة العموم على الاطلاق برفع إحدى مقدّماته حتّى لو كان المراد به البيان في مقام التخاطب الذي هو عبارة عن القرينة المتّصلة.
ولكن مع ذلك كلّه فللتأمّل فيما ذكرناه من وجه التقديم مجال ، فإنّ المطلق الشمولي وإن توقّف على مقدّمات الحكمة وكان العام الأُصولي رافعاً لإحداها ، إلاّ أنّ العام الأُصولي ليس بحجّة بالذات ، بل يحتاج في حجّيته إلى أصالة عدم القرينة بناءً على توقّفه على ذلك ، أو لا أقل من عدم ثبوت حجّة على الخلاف بناءً
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٧٣١.
(٢) كفاية الأُصول : ٤٥٠.