ولكون الذكر من أجمع الصفات في الدلالة على شؤون القرآن عبّر عنه بالذكر في الآيات الّتي أخبر فيها عن حفظه القرآن عن البطلان والتغيير والتحريف كقوله تعالى : (إنَّ الَّذينَ يُلحِدونَ في آياتِنا لا يخفَوْنَ علَيْنا أَفمَنْ يُلْقى في النّارِ خَيرٌ أمْ مَنْ يَأتي آمِناً يَومَ القِيامةِ اعمَلُوا ما شِئتُم إنّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصيرٌ * إنَّ الَّذينَ كَفَرُوا بِالذِّكرِ لَمّا جاءَهُمْ وَإنّهُ لَكتاب ٌ عزيزٌ * لايأتيهِ الباطلٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِن خَلفِهِ تنْزيلٌ مِن حكيمٍ حميدٍ) (١) فذكر تعالى أنّ القرآن من حيث هو ذكر لا يغلبه باطل ولا يدخل فيه حالاً ولا في مستقبل الزمان لا بإبطال ولا بنسخ ولا بتغيير أو تحريف يوجب زوال ذكريّته عنه.
وكقوله تعالى : (إنّا نحنُ نزَّلنا الذِّكرَ وَإنّا لهُ لَحافظونَ) (٢) فقد أطلق الذكر وأطلق الحفظ ، فالقرآن محفوظ بحفظ الله عن كلّ زيادة ونقيصة وتغيير في اللفظ أو في الترتيب يزيله عن الذكريّة ويبطل كومه ذكراً لله سبحانه بوجه.
ومن سخيف القول إرجاع ضمير (لهُ) إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله فإنّه مدفوع بالسياق ، وإنّما كان المشركون يستهزؤن بالنبيّ لأجل القرآن الذي كان يدّعي نزوله عليه ، كما يشير إليه بقوله سابقاً : (وَقالوا يا أيُّها الَّذي نُزِّلَ عليهِ الذِّكرُ إنّكَ لَمَجنُونٌ) ، وقد مرّ تفسير الآية.
فقد تبيّن ممّا فصّلناه أنّ القرآن الّذي أنزله الله على نبيّه صلىاللهعليهوآله ووصفه
__________________
(١) حم السجدة : ٤٢ ـ ٤٠
(٢) الحجر : ٩