أن يقال : هب أن السنة الإسلامية سنة جامعة للوازم الحياة السعيدة ، والمجتمع الإسلامي مجتمع سعيد مغبوط لكن هذه السنة لجامعيتها وانتفاء حرية العقيدة فيها تستوجب ركود المجتمع ووقوفه عن التحول والتكامل وهو من عيوب المجتمع الكامل كما قيل فإن السير التكاملي يحتاج إلى تحقق القوى المتضادة في الشيء وتفاعلها حتى تولد بالكسر والانكسار مولودا جديدا خاليا من نواقص العوامل المولدة التي زالت بالتفاعل فإذا فرض أن الإسلام يرفع الأضداد والنواقص وخاصة العقائد المتضادة من أصلها فلازمه أن يتوقف المجتمع الذي يكونه عن السير التكاملي.
أقول : وهو من إشكالات المادية التحولية ( ماترياليسم ديالكتيك ) وفيه خلط عجيب فإن العقائد والمعارف الإنسانية على نوعين نوع يقبل التحول والتكامل وهو العلوم الصناعية التي تستخدم في طريق ترفيع قواعد الحياة المادية وتذليل الطبيعة العاصية للإنسان كالعلوم الرياضية والطبيعية وغيرهما ، وهذه العلوم والصناعات وما في عدادها كلما تحولت من النقص إلى الكمال أوجب ذلك تحول الحياة الاجتماعية لذلك.
ونوع آخر لا يقبل التحول وإن كان يقبل التكامل بمعنى آخر وهو العلوم والمعارف العامة الإلهية التي تقضي في المبدإ والمعاد والسعادة والشقاء وغير ذلك قضاء قاطعا واقفا غير متغير ولا متحول وإن قبلت الارتقاء والكمال من حيث الدقة والتعمق وهذه العلوم والمعارف لا تؤثر في الاجتماعات وسنن الحياة إلا بنحو كلي فوقوف هذه المعارف والآراء وثبوتها على حال واحد لا يوجب وقوف الاجتماعات عن سيرها الارتقائي كما نشاهد أن عندنا آراء كثيرة كلية ثابتة على حال واحد من غير أن يقف اجتماعنا لذلك عن سيره كقولنا : إن الإنسان يجب أن ينبعث إلى العمل لحفظ حياته ، وإن العمل يجب أن يكون لنفع عائد إلى الإنسان ، وإن الإنسان يجب أن يعيش في حال الاجتماع ، وقولنا : إن العالم موجود حقيقة لا وهما وإن الإنسان جزء من العالم ، وإن الإنسان جزء من العالم الأرضي وإن الإنسان ذو أعضاء وأدوات وقوى إلى غير ذلك من الآراء والمعلومات الثابتة التي لا يوجب ثبوتها ووقوفها وقوف الاجتماعات وركودها ومن هذا القبيل القول بأن للعالم إلها واحدا شرع للناس شرعا جامعا لطرق السعادة من طريق النبوة وسيجمع الجميع إلى يوم يوفيهم فيه جزاء أعمالهم ، وهذه هي الكلمة الوحيدة التي بني عليها الإسلام مجتمعة وتحفظ عليها كل التحفظ ومن المعلوم أنه مما لا يوجب