أن يشاركهما فيه غيرهما حيث قال : وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ، ولم يقل : منهما ومن غيرهما ، ويتفرع عليه أمران :
أحدهما : أن المراد بقوله : ( رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً ) أفراد البشر من ذريتهما بلا واسطة أو مع واسطة فكأنه قيل : وبثكم منهما أيها الناس.
وثانيهما : أن الازدواج في الطبقة الأولى بعد آدم وزوجته أعني في أولادهما بلا واسطة إنما وقع بين الإخوة والأخوات ( ازدواج البنين بالبنات ) إذ الذكور والإناث كانا منحصرين فيهم يومئذ ، ولا ضير فيه فإنه حكم تشريعي راجع إلى الله سبحانه فله أن يبيحه يوما ويحرمه آخر ، قال تعالى : ( وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ) : الرعد ٤١ ، وقال : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ) : ـ يوسف ٤٠ ، وقال : ( وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ) : ـ الكهف ٢٦ ، وقال : ( وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) : ـ القصص ٧٠.
قوله تعالى : « وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ » المراد بالتساؤل سؤال بعض الناس بعضا بالله ، يقول أحدهم لصاحبه : أسألك بالله أن تفعل كذا وكذا هو إقسام به تعالى ، والتساؤل بالله كناية عن كونه تعالى معظما عندهم محبوبا لديهم فإن الإنسان إنما يقسم بشيء يعظمه ويحبه.
وأما قوله : ( وَالْأَرْحامَ ) فظاهره أنه معطوف على لفظ الجلالة ، والمعنى : واتقوا الأرحام ، وربما قيل : إنه معطوف على محل الضمير في قوله : به وهو النصب يقال : مررت بزيد وعمرا ، وربما أيدته قراءة حمزة : والأرحام بالجر عطفا على الضمير المتصل المجرور ـ وإن ضعفه النحاة ـ فيصير المعنى : واتقوا الله الذي تساءلون به وبالأرحام يقول أحدكم لصاحبه : أسألك بالله وأسألك بالرحم ، هذا ما قيل ، لكن السياق ودأب القرآن في بياناته لا يلائمانه فإن قوله : ( وَالْأَرْحامَ ) إن جعل صلة مستقلة للذي ، وكان تقدير الكلام : واتقوا الله الذي تساءلون بالأرحام كان خاليا من الضمير وهو غير جائز ، وإن كان المجموع منه ومما قبله صلة واحدة للذي كان فيه تسوية بين الله عز اسمه وبين الأرحام في أمر العظمة والعزة وهي تنافي أدب القرآن.
وأما نسبة التقوى إلى الأرحام كنسبته إليه تعالى فلا ضير فيها بعد انتهاء