الحق ، ولو توسلت إليه بباطل لكان ذلك منها إمضاء وإنفاذا للباطل فتصير دعوة باطلة لا دعوة حقة.
ولهذه الحقيقة ظهورات بارزة في سيرة رسول الله صلىاللهعليهوآله والطاهرين من آله عليهالسلام.
وبذلك أمره صلىاللهعليهوآله ربه ونزل به القرآن في مواطن راودوه فيها للمساهلة أو المداهنة ( ولو يسيرا ) في أمر الدين ، قال تعالى : ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) : « سورة الكافرون : ٦١ » وقال تعالى وفيه لحن التهديد (. وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ) : « الإسراء : ٧٥ » وقال تعالى : ( وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) : « الكهف : ٥١ » وقال تعالى ـ وهو مثل وسيع المعنى ـ : ( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً ) : « الأعراف : ٥٨ ».
وإذا كان الحق لا يمازج الباطل ولا يلتئم به فقد أمره الله سبحانه حينما أعبأه ثقل الدعوة بالرفق والتدرج في أمرها بالنظر إلى نفس الدعوة والمدعو والمدعو إليه من ثلاث جهات.
الأولى : من جهة ما اشتمل عليه الدين من المعارف الحقة والقوانين المشرعة التي من شأنها إصلاح شئون المجتمع الإنساني ، وقطع منابت الفساد فإن من الصعب المستصعب تبديل عقائد الناس ولا سيما إذا كانت ناشبة في الأخلاق والأعمال وقد استقرت عليها العادات ، ودارت عليها القرون ، وسارت عليها الأسلاف ، ونشأت عليها الأخلاف ولا سيما إذا عمت كلمة الدين ودعوته جميع شئون الحياة ، واستوعبت جميع الحركات الإنسانية وسكناتها في ظاهرها وباطنها في جميع أزمنتها ولجميع أشخاصها وأفرادها ومجتمعاتها من غير استثناء ( كما أنه شأن الإسلام ) فإن ذلك مما يدهش الفكرة تصوره أو هو محال عادي.
وصعوبة هذا الأمر ومشقته في الأعمال أزيد منها في الاعتقادات فإن استيناس الإنسان واعتياده ومساسه بالعمل أقدم منه بالاعتقاد ، وهو أظهر لحسه وآثر عند