وقد استشكلوا على حكم تعدد الزوجات :
أولا : أنه يضع آثارا سيئة في المجتمع فإنه يقرع قلوب النساء في عواطفهن ويخيب آمالهن ويسكن فورة الحب في قلوبهن فينعكس حس الحب إلى حس الانتقام فيهملن أمر البيت ويتثاقلن في تربية الأولاد ويقابلن الرجال بمثل ما أساءوا إليهن فيشيع الزنا والسفاح والخيانة في المال والعرض فلا يلبث المجتمع دون أن ينحط في أقرب وقت.
وثانيا : أن التعدد في الزوجات يخالف ما هو المشهود المتراءى من عمل الطبيعة فإن الإحصاء في الأمم والأجيال يفيد أن قبيلي الذكورة والإناث متساويان عددا تقريبا فالذي هيأته الطبيعة هو واحدة لواحد ، وخلاف ذلك خلاف غرض الطبيعة.
وثالثا : أن في تشريع تعدد الزوجات ترغيبا للرجال إلى الشره والشهوة ، وتقوية لهذه القوة في المجتمع.
ورابعا : أن في ذلك حطا لوزن النساء في المجتمع بمعادلة الأربع منهن بواحد من الرجال وهو تقويم جائر حتى بالنظر إلى مذاق الإسلام الذي سوى فيه بين مرأتين ورجل كما في الإرث والشهادة وغيرهما ، ولازمه تجويز التزوج باثنتين منهن لا أزيد ففي تجويز الأربع عدول عن العدل على أي حال من غير وجه وهذه الإشكالات مما اعترض بها النصارى على الإسلام أو من يوافقهم من المدنيين المنتصرين لمسألة تساوي حقوق الرجال والنساء في المجتمع.
والجواب عن الأول ما تقدم غير مرة في المباحث المتقدمة أن الإسلام وضع بنية المجتمع الإنساني على أساس الحياة التعقلية دون الحياة الإحساسية فالمتبع عنده هو الصلاح العقلي في السنن الاجتماعية دون ما تهواه الإحساسات وتنجذب إليه العواطف وليس في ذلك إماتة العواطف والإحساسات الرقيقة وإبطال حكم المواهب الإلهية والغرائز الطبيعية فإن من المسلم في الأبحاث النفسية أن الصفات الروحية والعواطف والإحساسات الباطنة تختلف كما وكيفا باختلاف التربية والعادة ، كما أن كثيرا من الآداب والرسوم الممدوحة عند الشرقيين مثلا مذمومة عند الغربيين وبالعكس ، وكل أمة تختلف مع غيرها في بعضها.