أولي القربى واليتامى والمساكين إذا حضروا قسمة التركة ولم يكونوا ممن يرث تطفلا.
قوله تعالى : « لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ » الآية ، النصيب هو الحظ والسهم ، وأصله من النصب بمعنى الإقامة لأن كل سهم عند القسمة ينصب على حدته حتى لا يختلط بغيره ، والتركة ما بقي من مال الميت بعده كأنه يتركه ويرتحل فاستعماله الأصلي استعمال استعاري ثم ابتذل ، والأقربون هم القرابة الأدنون ، واختيار هذا اللفظ على مثل الأقرباء وأولي القربى ونحوهما لا يخلو من دلالة على أن الملاك في الإرث أقربية الميت من الوارث على ما سيجيء البحث عنه في قوله تعالى : ( آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً ) : « النساء : ١١ » ، والفرض قطع الشيء الصلب وإفراز بعضه من بعض ، ولذا يستعمل في معنى الوجوب لكون إتيانه وامتثال الأمر به مقطوعا معينا من غير تردد ، والنصيب المفروض هو المقطوع المعين.
وفي الآية إعطاء للحكم الكلي وتشريع لسنة حديثة غير مألوفة في أذهان المكلفين ، فإن حكم الوراثة على النحو المشروع في الإسلام لم يكن قبل ذلك مسبوقا بالمثل وقد كانت العادات والرسوم على تحريم عدة من الوراث عادت بين الناس كالطبيعة الثانية تثير النفوس وتحرك العواطف الكاذبة لو قرع بخلافها أسماعهم.
وقد مهد له في الإسلام أولا بتحكيم الحب في الله والإيثار الديني بين المؤمنين فعقد الإخوة بين المؤمنين ثم جعل التوارث بين الأخوين ، وانتسخ بذلك الرسم السابق في التوارث ، وانقلع المؤمنون من الأنفة والعصبية القديمة ثم لما اشتد عظم الدين ، وقام صلبه شرع التوارث بين أولي الأرحام في حين كان هناك عدة كافية من المؤمنين يلبون لهذا التشريع أحسن التلبية.
وبهذه المقدمة يظهر أن المقام مقام التصريح ورفع كل لبس متوهم بضرب القاعدة الكلية بقوله : ( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) ، فالحكم مطلق غير مقيد بحال أو وصف أو غير ذلك أصلا ، كما أن موضوعه أعني الرجال عام غير مخصص بشيء متصل فالصغار ذوو نصيب كالكبار.
ثم قال : ( وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) وهو كسابقه عام من غير شائبة تخصيص فيعم جميع النساء من غير تخصيص أو تقييد ، وقد أظهر في قوله ( مِمَّا تَرَكَ