أَجْرُ الْعامِلِينَ » الفاحشة ما تتضمن الفحش والقبيح من الأفعال ، وشاع استعماله في الزنا ، فالمراد بالظلم بقرينة المقابلة سائر المعاصي الكبيرة والصغيرة ، أو خصوص الصغائر على تقدير أن يراد بالفاحشة المنكر من المعاصي وهي الكبائر ، وفي قوله : ( ذَكَرُوا اللهَ ) إلخ دلالة على أن الملاك في الاستغفار أن يدعو إليه ذكر الله تعالى دون مجرد التلفظ باعتياد ونحوه ، وقوله : ( وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ ) تشويق وإيقاظ لقريحة اللواذ والالتجاء في الإنسان.
وقوله : ( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ، إنما قيد به الاستغفار لأنه يورث في النفس هيئة لا ينفع معه ذكر مقام الرب تعالى وهي الاستهانة بأمر الله ، وعدم المبالاة بهتك حرماته ، والاستكبار عليه تعالى ، ولا تبقى معه عبودية ولا ينفع معه ذكر ، ولذلك بعينه قيده بقوله : ( وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ، وهذه قرينة على كون الظلم في صدر الآية يشمل الصغائر أيضا ، وذلك أن الإصرار على الذنب يستوجب الاستهانة بأمر الله والتحقير لمقامه سواء كان الذنب المذكور من الصغائر أو الكبائر ، فقوله : ( ما فَعَلُوا ) أعم من الكبيرة ، والمراد بما فعلوا هو الذي ذكر في صدر الآية ، وإذ ليست الصغيرة فاحشة فهو ظلم النفس لا محالة.
وقوله : ( أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ ) بيان لأجرهم الجزيل ، وما ذكره تعالى في هذه الآية هو عين ما أمر بالمسارعة إليه في قوله : ( وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ) إلخ ومن ذلك يعلم أن الأمر إنما كان بالمسارعة إلى الإنفاق وكظم الغيظ والعفو عن الناس والاستغفار.
قوله تعالى : « قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا » ، السنن جمع سنة وهي الطريقة المسلوكة في المجتمع ، والأمر بالسير في الأرض لمكان الاعتبار بآثار الماضين من الأمم الغابرة ، والملوك والفراعنة الطاغية حيث لم ينفعهم شواهق قصورهم ، ولا ذخائر كنوزهم ، ولا عروشهم ولا جموعهم ، وقد جعلهم الله أحاديث يعتبر بها المعتبرون ، ويتفكه بها المغفلون.
وأما حفظ آثارهم وكلاءة تماثيلهم والجهد في الكشف عن عظمتهم ومجدهم الظاهر الدنيوي الذي في أيامهم فمما لا يعتني به القرآن ، فإنما هي الوثنية التي لا تزال تظهر كل حين في لباس ، وسنبحث إن شاء الله في هذا المعنى في بحث مستقل نحلل فيه معنى الوثنية.