لكن النساء أيضا مجهزات بما يقابلها من الإحساسات اللطيفة والعواطف الرقيقة التي لا غنى للمجتمع عنها في حياته ، ولها آثار هامة في أبواب الأنس والمحبة والسكن والرحمة والرأفة وتحمل أثقال التناسل والحمل والوضع والحضانة والتربية والتمريض وخدمة البيوت ، ولا يصلح شأن الإنسان بالخشونة والغلظة لو لا اللينة والرقة ، ولا بالغضب لو لا الشهوة ، ولا أمر الدنيا بالدفع لو لا الجذب.
وبالجملة هذان تجهيزان متعادلان في الرجل والمرأة يتعادل بهما كفتا الحياة في المجتمع المختلط المركب من القبيلين ، وحاشاه سبحانه أن يحيف في كلامه أو يظلم في حكمه أم يخافون أن يحيف الله عليهم (١) ، ولا يظلم ربك أحدا (٢) وهو القائل : ( بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ) : « آل عمران : ١٩٥ » وقد أشار إلى هذا الالتيام والبعضية بقوله في الآية : ( بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ).
وقال أيضا : ( وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) : « الروم : ٢١ » فانظر إلى عجيب بيان الآيتين حيث وصف الإنسان ( وهو الرجل بقرينة المقابلة ) بالانتشار وهو السعي في طلب المعاش ، وإليه يعود جميع أعمال اقتناء لوازم الحياة بالتوسل إلى القوة والشدة حتى ما في المغالبات والغزوات والغارات ولو كان للإنسان هذا الانتشار فحسب لانقسم أفراده إلى واحد يكر وآخر يفر.
لكن الله سبحانه خلق النساء وجهزهن بما يوجب أن يسكن إليهن الرجال وجعل بينهم مودة ورحمة فاجتذبن الرجال بالجمال والدلال والمودة والرحمة ، فالنساء هن الركن الأول والعامل الجوهري للاجتماع الإنساني.
ومن هنا ما جعل الإسلام الاجتماع المنزلي وهو الازدواج هو الأصل في هذا الباب قال تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) : « الحجرات : ١٣ » ، فبدأ بأمر ازدواج الذكر والأنثى
__________________
(١) سورة النور : ٥٠
(٢) سورة الكهف : ٤٩.