فإن لكل من الوصية والإرث ملاكا آخر وأصلا فطريا مستقلا ، فملاك الإرث هو الرحم ولا نفوذ لإرادة المتوفى فيها أصلا ، وملاك الوصية نفوذ إرادة المتوفى بعد وفاته ( وإن شئت قل : حين ما يوصي ) في ما يملكه في حياته واحترام مشيته ، فلو أدخلت الوصية في الإرث لم يكن ذلك إلا مجرد تسمية.
وأما ما كان يسميها الناس كالروم القديم مثلا إرثا فلم يكن لاعتبارهم في سنة الإرث أحد الأمرين ، إما الرحم وإما احترام إرادة الميت بل حقيقة الأمر أنهم كانوا يبنون الإرث على احترام الإرادة وهي إرادة الميت بقاء المال الموروث في البيت الذي كان فيه تحت يد رئيس البيت وربه أو إرادته انتقاله بعد الموت إلى من يحبه الميت ويشفق عليه فكان الإرث على أي حال يبتني على احترام الإرادة ولو كان مبتنيا على أصل الرحم واشتراك الدم لرزق من المال كثير من المحرومين منه ، وحرم كثير من المرزوقين.
ثم إنه بعد ذلك عمد إلى الإرث وعنده في ذلك أصلان جوهريان :
أصل الرحم وهو العنصر المشترك بين الإنسان وأقربائه لا يختلف فيه الذكور والإناث والكبار والصغار حتى الأجنة في بطون أمهاتهم وإن كان مختلف الأثر في التقدم والتأخر ، ومنع البعض للبعض من جهة قوته وضعفه بالقرب من الإنسان والبعد منه ، وانتفاء الوسائط وتحققها قليلا أو كثيرا كالولد والأخ والعم ، وهذا الأصل يقضي باستحقاق أصل الإرث مع حفظ الطبقات المتقدمة والمتأخرة.
وأصل اختلاف الذكر والأنثى في نحو وجود القرائح الناشئة عن الاختلاف في تجهيزهما بالتعقل والإحساسات ، فالرجل بحسب طبعه إنسان التعقل كما أن المرأة مظهر العواطف والإحساسات اللطيفة الرقيقة ، وهذا الفرق مؤثر في حياتيهما التأثير البارز في تدبير المال المملوك ، وصرفه في الحوائج ، وهذا الأصل هو الموجب للاختلاف في السهام في الرجل والمرأة وإن وقعا في طبقة واحدة كالابن والبنت ، والأخ والأخت في الجملة على ما سنبينه.
واستنتج من الأصل الأول ترتب الطبقات بحسب القرب والبعد من الميت لفقدان الوسائط وقلتها وكثرتها فالطبقة الأولى هي التي تتقرب من الميت بلا واسطة وهي الابن والبنت والأب والأم ، والثانية الأخ والأخت والجد والجدة وهي تتقرب من