تعالى : ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ ) : « المؤمن : ٧ » يريد : ( لِلَّذِينَ آمَنُوا ) بقرينة أول الكلام فسمى الإيمان توبة ، وقال تعالى : ( ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ ) : « التوبة : ١١٨ ».
والدليل على أن المراد هي التوبة أعم من أن تكون من الشرك أو المعصية التعميم الموجود في الآية التالية : وليست التوبة « إلخ » فإنها تتعرض لحال الكافر والمؤمن معا ، وعلى هذا فالمراد بقوله : ( يَعْمَلُونَ السُّوءَ ) ما يعم حال المؤمن والكافر معا فالكافر كالمؤمن الفاسق ممن يعمل السوء بجهالة إما لأن الكفر من عمل القلب ، والعمل أعم من عمل القلب والجوارح ، أو لأن الكفر لا يخلو من أعمال سيئة من الجوارح فالمراد من الذين ( يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ) الكافر والفاسق إذا لم يكونا معاندين في الكفر والمعصية.
وأما قوله تعالى : ( بِجَهالَةٍ ) فالجهل يقابل العلم بحسب الذات غير أن الناس لما شاهدوا من أنفسهم أنهم يعملون كلا من أعمالهم الجارية عن علم وإرادة ، وأن الإرادة إنما تكون عن حب ما وشوق ما سواء كان الفعل مما ينبغي أن يفعل بحسب نظر العقلاء في المجتمع أو مما لا ينبغي أن يفعل لكن من له عقل مميز في المجتمع عندهم لا يقدم على السيئة المذمومة عند العقلاء فأذعنوا بأن من اقترف هذه السيئات المذمومة لهوى نفساني وداعية شهوية أو غضبية خفي عليه وجه العلم ، وغاب عنه عقله المميز الحاكم في الحسن والقبيح والممدوح والمذموم ، وظهر عليه الهوى وعندئذ يسمى حاله في علمه وإرادته « جهالة » في عرفهم وإن كان بالنظر الدقيق نوعا من العلم لكن لما لم يؤثر ما عنده من العلم بوجه قبح الفعل وذمه في ردعه عن الوقوع في القبح والشناعة ألحق بالعدم فكان هو جاهلا عندهم حتى إنهم يسمون الإنسان الشاب الحدث السن قليل التجربة جاهلا لغلبة الهوى وظهور العواطف والإحساسات النيئة على نفسه ، ولذلك أيضا تراهم لا يسمون حال مقترف السيئات إذا لم ينفعل في اقتراف السيئة عن الهوى والعاطفة جهالة بل يسمونها عنادا وعمدا وغير ذلك.
فتبين بذلك أن الجهالة في باب الأعمال إتيان العمل عن الهوى وظهور الشهوة والغضب من غير عناد مع الحق ، ومن خواص هذا الفعل الصادر عن جهالة أن إذا سكنت ثورة القوى وخمد لهيب الشهوة أو الغضب باقتراف للسيئة أو بحلول مانع أو