أن لا يؤخر الإنسان التوبة إلى حضور موته كسلا وتوانيا ومماطلة إذ التوبة هي رجوع العبد إلى الله سبحانه بالعبودية فيكون توبته تعالى أيضا قبول هذا الرجوع ، ولا معنى للعبودية إلا مع الحياة الدنيوية التي هي ظرف الاختيار وموطن الطاعة والمعصية ، ومع طلوع آية الموت لا اختيار تتمشى معه طاعة أو معصية ، قال تعالى : ( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً ) « الأنعام ١٥٨ » وقال تعالى : ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ ) : « المؤمن : ٨٥ » إلى غير ذلك من الآيات.
وبالجملة يعود المعنى إلى أن الله سبحانه إنما يقبل توبة المذنب العاصي إذا لم يقترف المعصية استكبارا على الله بحيث يبطل منه روح الرجوع والتذلل لله ، ولم يتساهل ويتسامح في أمر التوبة تساهلا يؤدي إلى فوت الفرصة بحضور الموت.
ويمكن أن يكون قوله : ( بِجَهالَةٍ ) قيدا توضيحيا ، ويكون المعنى : ( لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ ) ولا يكون ذلك إلا عن جهل منهم فإنه مخاطرة بالنفس وتعرض لعذاب أليم ، أو لا يكون ذلك إلا عن جهل منهم بكنه المعصية وما يترتب عليها من المحذور ، ولازمه كون قوله : ( ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ) إشارة إلى ما قبل الموت لا كناية عن المساهلة في أمر التوبة فإن من يأتي بالمعصية استكبارا ولا يخضع لسلطان الربوبية يخرج على هذا الفرض بقوله : ( ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ) لا بقوله : ( بِجَهالَةٍ ) وعلى هذا لا يمكن الكناية بقوله : ( ثُمَّ يَتُوبُونَ ) عن التساهل والتواني فافهم ذلك ، ولعل الوجه الأول أوفق لظاهر الآية.
وقد ذكر بعضهم : أن المراد بقوله : ( ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ) أن تتحقق التوبة في زمان قريب من وقت وقوع المعصية عرفا كزمان الفراغ من إتيان المعصية أو ما يعد عرفا متصلا به لا أن يمتد إلى حين حضور الموت كما ذكر.
وهو فاسد لإفساده معنى الآية التالية فإن الآيتين في مقام بيان ضابط كلي لتوبة الله سبحانه أي لقبول توبة العبد على ما يدل عليه الحصر الوارد في قوله : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ ) إلخ والآية الثانية تبين الموارد التي لا تقبل فيها التوبة ، ولم يذكر في