وقوعه موقع قبول الناس منهم كما يدل عليه الروايات عن علي وجابر وابن مسعود وابن عباس فتحريمه وحلفه على رجم مستحلها وفاعلها لا يؤثر في دلالة الآية عليها ، وعدم انثلام هذه الحلية بكتاب أو سنة فدلالة الآيات وأحكامها مما لا غبار عليه.
وقد أغرب بعض الكتاب حيث ذكر أن المتعة سنة جاهلية لم تدخل في الإسلام قط حتى يحتاج إلى إخراجها منه وفي نسخها إلى كتاب أو سنة وما كان يعرفها المسلمون ولا وقعت إلا في كتب الشيعة.
أقول : وهذا الكلام المبني على الصفح عما يدل عليه الكتاب والحديث والإجماع والتاريخ يتم به تحول الأقوال في هذه المسألة تحولها العجيب فقد كانت سنة قائمة في عهد النبي صلىاللهعليهوآله ثم نهي عنها في عهد عمر ونفذ النهي عند عامة الناس ، ووجه النهي بانتساخ آية الاستمتاع بآيات أخرى أو بنهي النبي عنها وخالف في ذلك عدة من الأصحاب (١) وجم غفير ممن تبعهم من فقهاء الحجاز واليمن وغيرهم حتى مثل ابن جريح من أئمة الحديث « وكان يبالغ في التمتع حتى تمتع بسبعين امرأة (٢) » ومثل مالك أحد أئمة الفقه الأربعة (٣) ، هذا ، ثم أعرض المتأخرون من أهل التفسير عن دلالة آية الاستمتاع على المتعة ، وراموا تفسيرها بالنكاح الدائم ، وذكروا أن المتعة كانت سنة من النبي صلىاللهعليهوآله ثم نسخت بالحديث ، ثم راموا في هذه الأواخر أنها كانت من أنواع الزنا في الجاهلية رخص فيها النبي صلىاللهعليهوآله رخصة بعد رخصة ثم نهى عنها نهيا مؤبدا إلى يوم القيامة ، ثم ذكر هذا القائل الأخير : أنها زنا جاهلي محض لا خبر عنها في الإسلام قط إلا ما وقع في كتب الشيعة ، والله أعلم بما يصير إليه حال المسألة في مستقبل الزمان.
__________________
(١) ومن عجيب الكلام ما ذكره الزجاج في هذه الآية : أن هذه آية غلط فيها قوم غلطا عظيما لجهلهم باللغة ، وذلك أنهم ذكروا أن قوله : « فما استمتعتم به منهن » من المتعة التي قد أجمع أهل العلم أنها حرام ، ثم ذكر أن معنى الاستمتاع هو النكاح ، وليتني أدري أن أي فصل من كلامه يقبل الإصلاح؟ أرميه أمثال ابن عباس وأبي وغيره بالجهل باللغة؟ أم دعواه إجماع أهل العلم على الحرمة؟ أم دعواه الخبرة باللغة وقد جعل الاستمتاع بمعنى النكاح؟!.
(٢) راجع ترجمة ابن جريح في تهذيب التهذيب وميزان الاعتدال.
(٣) راجع للحصول على هذه الأقوال الكتب الفقهية ، وفي تفصيل أبحاثها الفقهية والكلامية ما ألفه أساتذة الفن من القدماء والمتأخرين وخاصة أعلام العصر الحاضر من نظار باحثي الحجج.