اختلاف طبقات الناس وانقسامهم إلى مالك حاكم مطلق العنان ومملوك محكوم مأخوذ بزمامه غير أن شجرة الفساد أخذت في النمو في أرض غير الأرض ، ومنظر غير منظره السابق ، والثمرة هي الثمرة ، وهو تمايز الصفات باختلاف الثروة بتراكم المال عند بعض ، وصفارة الكف عند آخر ، وبعد ما بين القبيلين بعدا لا يتمالك به المثري الواجد من نفسه إلا أن ينفذ بثروته في جميع شئون حياة المجتمع ، ولا المسكين المعدم إلا أن ينهض للبراز ويقاوم الاضطهاد.
فاستتبع ذلك سنة الشيوعية القائلة بالاشتراك في مواد الحياة وإلغاء المالكية ، وإبطال رءوس الأموال ، وأن لكل فرد من المجتمع أن يتمتع بما عملته يداه وهيأه كماله النفساني الذي اكتسبه فانقطع بذلك أصل الاختلاف بالثروة والجدة غير أنه أورث من وجود الفساد ما لا يكاد تصيبه رمية السنة السابقة وهو بطلان حرية إرادة الفرد ، وانسلاب اختياره ، والطبيعة تدفع ذلك ، والخلقة لا توافقه ، وهيهات أن يعيش ما يرغم الطبيعة ويضطهد الخلقة.
على أن أصل الفساد مع ذلك مستقر على قراره فإن الطبيعة الإنسانية لا تنشط إلا لعمل فيه إمكان التميز والسبق ، ورجاء التقدم والفخر ومع إلغاء التمايزات تبطل الأعمال ، وفيه هلاك الإنسانية ، وقد احتالوا لذلك بصرف هذه التميزات إلى الغايات والمقاصد الافتخارية التشريفية غير المادية ، وعاد بذلك المحذور جذعا فإن الإنسان إن لم يذعن بحقيقتها لم يخضع لها ، وإن أذعن بها كان حال التمايز بها حال التمايز المادي.
وقد احتالت الديمقراطية لدفع ما تسرب إليها من الفساد بإيضاح مفاسد هذه السنة بتوسعة التبليغ وبضرب الضرائب الثقيلة التي تذهب بجانب عظيم من أرباح المكاسب والمتاجر ، ولما ينفعهم ذلك فظهور دبيب الفساد في سنة مخالفيهم لا يسد طريق هجوم الشر على سنتهم أنفسهم ولا ذهاب جل الربح إلى بيت المال يمنع المترفين عن إترافهم ومظالمهم ، وهم يحيلون مساعيهم لمقاصدهم من تملك المال إلى التسلط وتداول المال في أيديهم فالمال يستفاد من التسلط ووضع اليد عليه وإدارته ما يستفاد من ملكه.
فلا هؤلاء عالجوا الداء ولا أولئك ، ولا دواء بعد الكي ، وليس إلا لأن الذي جعله البشر غاية وبغية لمجتمعه ، وهو التمتع بالحياة المادية بوصلة تهدي إلى قطب الفساد ، ولن تنقلب عن شأنها أينما حولت ، ومهما نصبت.